باريس ــالأخبارفاجأ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي المستمعين إلى خطاب انتخابه قبل سنة ونيف، حين توجه إلى «شعوب المتوسط» مطلقاً نداءً «للتغلب على الأحقاد ولإفساح المجال أمام وصل أوروبا بأفريقيا» كما حصل مع دول الاتحاد الأوروبي الـ٢٧.
رأى ساركوزي حينها أنّ تطوير الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يتمّ من دون الانفتاح على دول جنوب المتوسط لاعتبارات تاريخية وجغرافية وسوسيو ـــ ثقافية، مذكّراً بأنّ صاحب الفكرة هو مستشاره هنري غينو.
رأى كثيرون أنّ هذا المشروع كان، منذ إطلاقه، «مناورة» لها ثلاثة أبعاد: أولاً، تقديم طريقة جديدة لتركيا تفادياً لضمها إلى الاتحاد الأوروبي. ثانياً، فتح باب «برشلونة ٢» لتعاون الدول العربية مع إسرائيل ولـ«إغراق الصراع الإسرائيلي ـــ العربي» في إطار متوسطي واسع، وهو ما كان يدعو إليه غينو «المثقف وكاتب خطابات الرئيس». وأخيراً، شدّ أواصر تعاون اقتصادي بين ضفّتي البحر الأبيض المتوسط، تحت إشراف فرنسي يساهم بدرء خطر الهجرة المكثفة من الجنوب الأفريقي، وخصوصاً نحو الشمال. بعد ذلك، أعطى ساركوزي مزيداً من التفاصيل لمشروعه المتوسّطي، في خطاب مرفأ طولون في ٧ شباط ٢٠٠٧، تحت عنوان «حلم الحضارات الكبير» الذي يمكن أن يمثّل صلة وصل بين أوروبا وأفريقيا.
جاءت المعارضة الأولى من «الشريك الأوروبي الألماني» عندما وضعت المستشارة أنجيلا ميركل «فيتو» على أي تمويل أوروبي لمشاريع ما بات يُعرف منذ انتخاب ساركوزي بـ«الاتحاد من أجل المتوسط»، إذا ما اقتصر على الدول «التي تبللت أقدامها في مياه المتوسط».
وبعد مفاوضات «صعبة»، توصلت باريس وبرلين إلى «توافق بروكسل». اتفاق حمل تغييراً كبيراً للفكرة الأصلية، وأعطى دوراً كبيراً للمفوّضيّة الأوروبيّة في تقرير نوعيّة المشاريع وماهيتها. تغيير ترك للرئيس ساركوزي وبلاده عموماً، رغم كل شيء، «واجهة حمل الاتحاد والتفاوض بشأنه» ضمن أطر لا تتجاوز ما حددته بروكسل.
أفسح الاتفاق المجال لدول الاتحاد الأوروبي كلها للانضمام إلى الاتحاد المتوسطي، مع التشديد على الابتعاد عن الأبعاد السياسية، تجنباً للوقوع في مطب «برشلونة»، الذي لا يتردد البعض بالتشديد على أنه «وُلِد ميتاً»، رغم المعرفة أنه لا يمكن الحديث عن تعاون في المتوسط من دون الوقوف في ظلّ «الصراع الإسرائيلي ـــ العربي».
إلا أنّ «الممانعة» لفكرة الاتحاد المتوسطي لم يكن مصدرها فقط الدول الأوروبية، بل أيضاً الدول الجنوبية التي لا تطل على المتوسط، مثل مجلس التعاون الخليجي. معارضة عبرت عنها أيضاً الجامعة العربية، والدول الأفريقية الواقعة جنوبي الصحراء، التي رأت في هذا الاتحاد «حاجزاً أمام وصول المشاريع الأوروبية إليها».
وبعدما تمّ تجاوز كلّ هذه العقبات عبر زيارات قام بها السفير المكلَّف ألان لورا، وبعدما فقدت الفكرة الكثير من الدينامية التي حمّلها إيّاها غينو، بات الاتحاد يشمل ٤٣ دولة هي دول الاتحاد الأوروبي (٢٧)، إضافة إلى إمارة موناكو وكرواتيا والبوسنة والجبل الأسود وألبانيا وصربيا وتركيا، تُضاف إليهم سوريا ولبنان والأردن والسلطة الفلسطينية ومصر وتونس والمغرب وموريتانيا وإسرائيل، مع رفض صريح من ليبيا للانضمام رغم كل «الحوافز التي قُدِّمَت لها» مكتفية بصفة «مراقب».
وحتّى الآن، لم تحظَ أيّ عاصمة أو مدينة بموافقة إجماع الدول المنضوية تحت راية الاتحاد من أجل المتوسط للفوز بمركز أمانة سرّه، رغم أنّ خمسة أسماء ظهرت إلى العلن هي بروكسل وبرشلونة والرباط وتونس وعاصمة مالطا لافاليت.