موسكو ــ حبيب فوعانيبعيداً عن تفاعلات الأزمة النوويّة، تلوح في أفق العلاقات الروسيّة ـــــ الإيرانيّة أزمة عنوانها «وصيّة الخميني». ورغم محاولات احتواء القضيّة، إلا أنها بدأت تخرج إلى العلن.
الأزمة بدأت بعد قيام الهيئة المكلفة وضع قوائم المطبوعات المحظورة في روسيا، بضم وصيّة الإمام الخميني في 2 حزيران الماضي، إلى الكتب المتطرفة الممنوع طباعتها ونشرها وتداولها في جميع أنحاء البلاد.
فكرة المنع جديدة أساساً على روسيا، إذ لم يسبق أن شهدت الأمبراطوريّة الروسيّة أو الاتحاد السوفياتي مثل هذه القوائم. وقد ظهرت أول قائمة كتب ممنوعة في 14 تموز 2007، وضمت فقط 14 اسماً. أما الآن فيبلغ عددها 153، وتضم كتباً مثل «سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب» ومؤلفات مسيحية وقومية روسية متهمة بنشر الأفكار المتطرفة، واحتلت «الوصية» الرقم 143 فيها.
ولا يوجد نظام أو آلية معينة لملء هذه القوائم، وهو يتم بقرار من إحدى المحاكم الروسية، حيث يستطيع أي قاض من أي مدينة منع ظهور أي كتاب أو فيلم أو حتى أغنية على جميع الأراضي الروسية. والأمر بحاجة فقط إلى رفع دعوى من أي نيابة عامة وإلى خبير يؤكد خطرها على المواطنين.
«الوصية» ظهرت مصادفة في يد النيابة العامة لمقاطعة بينزا الروسية، حين حاولت عام 2005، من دون جدوى، رفع دعوى بحق سكان بلدة يلوزان التتارية، الذين بنوا سبعة مساجد ومدرسة دينية. محققو النيابة قاموا بتفتيش المدرسة، وعلى الرغم من عدم عثورهم على أدلة اتهام فإنهم صادروا بضعة كتب دينية وأشرطة تسجيل، وبينها «الوصية» باللغة الروسية.
تم تحويل «الوصية» إلى الخبراء القضائيين لدراستها ووضع تقرير عنها. وهنا برز دور بطلتي الحكاية، وهما فتاتان في مقتبل العمر، إحداهما لغوية والثانية طبيبة نفسية، وكلتاهما حديثتا التخرج في الجامعة. النيابة العامة أوكلت إليهما مهمة دراسة «الوصية». غير أن «الخبيرتين» لم تجدا حاجة إلى اللجوء إلى مساعدة المضطلعين بالأديان، فاستعانتا بدائرة المعارف السوفياتية عام 1982 ومعاجم اللغة الروسية ثم قررتا أن «الوصية»، ذات النص الديني الخاص والمعقّد، هي «دعوة إلى العنف وخطيرة على مشاعر المواطنين الروس».
وهكذا، أصدرت محكمة مدينة غوروديشي، التي لا يعرف المواطن الروسي العادي أين تقع، في 21 شباط 2008 قرارها بأن «الوصية» تدعو إلى التطرف، من دون حضور ممثلين للناشرين أو مترجمين أو محامين.
أصابت هذه الخطوة المستشرقين والمستعربين الروس بالذهول. ووصف خبير معهد «كارنيغي» في موسكو، المستشرق ألكسي مالاشينكو، هذه الخطوة بأنها «غبية»، فيما يحرص الجانب الإيراني على معالجة ذيول هذه القضية وراء الكواليس مع الروس لكي لا تتحول إلى أزمة جديدة لا حاجة لطهران لها الآن مع موسكو.
يشار إلى أن آلية منع الكتب في روسيا تثير الكثير من الاستغراب، ولا سيما أنها طالت كتباً مسموحة في جميع أنحاء العالم، على غرار كتب الفقيه التركي سعيد نورسي. إذ ساوت محكمة بين «جماعة النور»، التي أسسها، وأنصار «القاعدة».
وليس نادراً ما يجري في مناطق مختلفة نائية من روسيا اعتبار أي كتاب ديني إرهابياً. وإبان الحرب الشيشانية الثانية عام 1999، عرضت القناة التلفزيونية الرسمية الأولى كتباً سمّاها مسؤول عسكري داغستاني إرهابية، كان أحدها تحت عنوان «مغامرات عنترة بن شداد».