في المفهوم المكيافيللي للسياسة، كل شيء مباح، فالمهم الوصول إلى الهدف. حتّى بالنسبة إلى حزب عقائدي ماركسي - لينيني كحزب العمّال الكردستاني، لا ضرر في اعتماد خطاب وبرنامج إسلاميّين لـ«ضرورات المرحلة»
أرنست خوري

منذ تأسيسه على قاعدة مزجت بين القوميّة الكرديّة ومبادئ مستقاة من الماركسيّة ــــ اللينينيّة في عام 1970، ارتبط اسم حزب العمّال الكردستاني بعدد كبير من «الشبهات»: علاقته بإسرائيل والاستخبارات الأميركيّة وعدد من أجهزة النظام العربي الرسمي. مصادر تمويله المشكوك في«نظافتها». وضع أهداف مدنيّة لعملياته العسكرية. الانقسامات العمودية التي تشوب كوادره والانقلابات الداخليّة في صفوفه. ارتباط بعض كوادره بتنظيمات إرهابيّة معادية لمبادئه.
عدد كبير من العناوين طاب لوسائل الإعلام الرسمية التابعة للدول التي يهدّدها وجود «العمّال الكردستاني» إخراجها إلى النور لإضعاف قضيّته ونضاله. إلا أنّ جميع هذه العناوين لا ترتقي في فضائحيّتها إلى مستوى ما كشف عنه مجلس الأمن القومي التركي في تقرير أصدره الشهر الماضي عن الحزب الكردي. تقرير مدعَّم بالمعلومات والمعطيات التي تفيد بأنّ الحزب، منذ خسارته لعدد كبير من المقاعد النيابيّة في الانتخابات البرلمانية التي جرت العام الماضي، أطلق «استراتيجية إسلاميّة» جديدة لاسترجاع شيء من شعبيّته المتقهقرة، بما أنّ المنافس الذي سرق منه أنصاره هو حزب إسلامي، أي «العدالة والتنمية» الحاكم.
استراتيجية متكاملة ومنظّمة استوجبت استحداث جهاز جديد في الحزب، الذي كان يوماً ماركسياً ــــ لينينيّاً، هو «مؤسسة المساعدة والتضامن الديني». جهاز مهمّته شاملة، تبدأ بتسمية أئمّة للمساجد الخالية في مناطق جنوب شرق البلاد التي تقطنها غالبية كرديّة، واستبدال سياسة تهديد أو تصفية الأئمّة غير الموالين للحزب، باستمالتهم، وإنشاء مؤسسات ومدارس دينية في مختلف مناطق الأناضول. كلّ ذلك لخدمة خطاب سياسي ديني.
اللافت، بحسب التقرير الأمني التركي، هو أنّ «العمال الكردستاني»، نظّم حملته الانتخابيّة في نيسان الماضي على قاعدة مهاجمة الخطاب الديني للحزب الحاكم. إلا أنه اليوم، يعود ليعتمد خطاباً إسلامياً شعبياً، قد يكون أشرس من أدبيات وأسلوب عمل حزب رجب طيب أردوغان.
ووجد الحزب الحاكم، الذي يُدافع عن نفسه حالياً أمام المحكمة الدستورية على خلفيّة «تحوّله إلى بؤرة معادية للعلمانيّة»، تقرير «الأمن القومي» مناسباً لتبرئة ساحته. فنائب رئيس الحكومة كميل جيجيك، خلال تقديمه المرافعة الدفاعية عن حزبه الأسبوع الماضي، استعان بالتقرير ليتّهم الحزب الكردي بأسلمة المجتمع.
وممّا جاء في التقرير الأمني أنّ «الحزب الإرهابي يسرف في استغلال شعارات تحاكي الإيمان الإسلامي لدى سكّان مناطق نفوذه في محاولة منه لاستعادة جزء من شعبيته التي عرفت انخفاضاً كبيراً». وأكّد التقرير أنّ الحزب أنشأ «مؤسسة المساعدة والتضامن الديني» في مدينة بتمان في 7 أيار الماضي، وفتح فرعاً للمؤسسة في إسطنبول في 31 من الشهر نفسه. كما أنّه أسّس منظّمة نسائيّة إسلاميّة في ديار بكر، وأكاديمية للدراسات الإسلامية في منطقة شانليورفا وأكاديمية ثقافيّة للمذهب العلوي في تونسلي.
وانطلاقاً من التقرير المذكور، أوصى مجلس الأمن القومي في بيان مكتوب، مديريّة الشؤون الدينية (وهي المؤسسة الحكوميّة المعنيّة بإدارة شؤون الطوائف والمذاهب في تركيا)، بملاحقة المؤسسات الدينية التابعة للحزب الكردي وحظر نشاطاتها. ووافقت المديرية على تعليمات المجلس، وأصدرت تعميماً إلى جميع المفتين تحذّرهم من قبول تسمية أي إمام مسجد يعيّنه «العمّال الكردستاني».
وكان لأئمّة المساجد، تاريخياً، قصّة طويلة وشائكة مع حزب العمال الكردستاني في مناطق جنوب شرق تركيا. فالحزب، وانطلاقاً من عقيدته الثوريّة الملحدة، أو في أحسن الأحوال العلمانيّة، تعاطى مع رجال الدين بجذريّة. التقارير التركيّة تؤكّد أن عدداً من الأئمّة الذين كانوا يرفضون دفن قتلى الحزب، كانوا إما يُصَفّون، أو يُطردون من القرى التي يعملون فيها تحت طائلة التصفية.
ويشير التقرير الرسمي المذكور إلى أنّ عدد رجال الدين هؤلاء ممّن «تعرّضوا لمضايقات الحزب الإرهابي»، وصل إلى 10 آلاف. غير أنّ التعاطي مع هؤلاء منذ أكثر من عام، بات «مختلفاً كلياً»، إذ تحاول قيادة الأكراد توسّل أيّ شيء لاستمالتهم. ويبدو أنّ الحزب احتاط للتعاطي مع الحالات التي لا ينفع معها هذا الأسلوب، بحيث يشير الخبراء الأمنيون الأتراك إلى أنّ الحزب الكردي بات يخرّج الأئمّة من مدارسه الدينيّة التي أنشأها أخيراً.
ولا يقتصر نشاطه الديني على داخل الأراضي التركيّة، فبحسب التقرير نفسه، امتدّت الاستراتيجية الجديدة إلى الجاليات الكردية المنتشرة بأعداد كبيرة في الدول الأوروبية الغربيّة، حيث «أصبح الكوادر الإرهابيون يُحكمون القبضة على 3 مساجد في ألمانيا وواحد في فرنسا وآخر في بريطانيا».


أوجلان التقى قادة ergenekon

لم تعد المعلومات التي تتحدّث عن الارتباط بين حزب العمّال الكردستاني وتنظيم ergenekon محصورة بتقارير صحافيّة. فعلى الأقلّ، تأكّد خبر لقاء زعيم «العمّال» عبد الله أوجلان بعدد كبير من قادة الصف الأول من التنظيم السرّي الذي يُحاكم بعضهم بدعوى الإرهاب وجرائم قتل وتدبير محاولات انقلاب، وبعضهم الآخر هارب من وجه العدالة.
أوجلان حسم النقاش، وقال لمحاميه إنّ عدداً من قياديي التنظيم القومي الإرهابي تردّدوا إليه في زنزانته في سجن إمرلي، وذلك قبل عام 2002. وفي ذلك الوقت، كان مسؤول معتقل إمرلي أحد قيادات ergenekon، وهو قائد جهاز استخبارات الشرطة التركية في حينها، لفنت ارسوز، الذي تقاعد في عام 2005. ورجل الاستخبارات هذا مطلوب اليوم للمحاكمة، وعلى الأرجح هو هارب خارج البلاد.
ما كشف عنه أوجلان نقلته عنه وكالة «فرات»، وجاء فيه معلومات تردّدت منذ فترة لكن بشكل تسريبات صحافيّة. أبرز ما قاله إنّ حملة الانقضاض على العصابات القوميّة السريّة «هي عملية أميركيّة أساساً». وتابع أنّ قادة هذا التنظيم «مرتبطون بروسيا والصين والهند. هم يدّعون أنّهم ضد الولايات المتحدة، لكنهم في الحقيقة يخدمون مصالحها».
وعن هويّة الذين تردّدوا إليه، أشار أوجلان إلى أنّ أحدهم «زارني قبل عام 2002 وهو اليوم معتَقَل في الحملة الأخيرة». وأضاف زعيم «الكردستاني» المعتقل منذ 1999 أنّ هؤلاء الأشخاص «كانوا مجموعة راديكاليّة ومرتبطين بتنظيم ergenekon لكنهم لم يزوروني بعد عام 2002».
(الأخبار)