منظمة إجرامية تركية... أكبر من الدولة نفسهاأرنست خوري
عثرت الشرطة التركيّة المولَجة التحقيق بقضيّة ergenekon في مطلع الشهر الجاري، على أثمن وثيقة متّصلة بالملف الأكثر تعقيداً في تاريخ تركيا الحديث: «دستور» التنظيم. وثيقة تحوي على مبادئه السياسية كما التنظيمية والعسكرية.
طريقة انتقائه لعملائه والكلمة السرية المسيّرة لنشاطه... جميعها عناصر، إن جرى ضمّها إلى شهادات قادة التنظيم السابقين، تجعل قارئها يتوقّع صعوبة المهمّة التي يواجهها المحقّقون والقضاة، وخصوصاً في ظلّ الإجماع الموجود في تركيا، على أنّ الحملة التي بدأت العام الماضي وأدّت حتّى الآن إلى اعتقال أكثر من 50 من كوادر التنظيم، لم تطوِ الملفّ بعد، بما أنّ «الرؤوس الكبيرة» لا تزال بعيدة عن الزنازين لأنها ببساطة «ممنوع المسّ بها».
أبرز مؤشّر على توسّع علاقات ergenekon داخل تركيا وخارجها، هو خططها التي وضعتها وبدأت بتنفيذها بالاتصال بتنظيم «القاعدة» من خلال الفرع التركي للتنظيم العالمي، وهو «الجبهة الإسلاميّة الشرقية العظمى للمهاجمين»، ممثَّلة برئيسها صالح ميرزابيي أوغلو وعضو قيادتها سعد الدين أوستاوسمان أوغلو المعتقلَين حالياً لدى السلطات التركية.
القاعديّان اعترفا بأنّ زعماء ergenekon زاروهما مراراً، لعرض التنسيق الثنائي «في عدد من القضايا». حتّى إنّ أوستاوسمان أوغلو أشار إلى أنّ جنرالاً متقاعداً أصرّ على أن يكون التعاون بينهما «مشابهاً لتجربة وحدات القوات الوطنيّة التي أنشئت خلال حرب الاستقلال (بين تركيا واليونان) من خلال عمل مشترك في تحريض المواطنين على احتلال الشوارع والسيطرة على عقول الشباب التركي».
كما أنّ من أبرز ما يلفت في آخر معلومات التحقيقات، هو تأكّد ارتباط ergenekon بحزب الله التركي، وهو التنظيم الإسلامي الأصولي الذي يضع نصب عينيه هدف القضاء على الأكراد عموماً. هكذا يكون التنظيم القومي الشوفيني قد أقام ارتباطاً مزدوجاً مع كل من حزب العمال الكردستاني وأعدائه.
وفي موضوع العلاقة مع «العمال الكردستاني»، أضاف تونساي غوناي إلى الرواية المعروفة معلومات جديدة نوعيّة تفوق بحساسيتها ما سبق أن نشر عن لقاءات جمعت عبد الله أوجلان بجنرالات ergenekon.
من هو غوناي؟ إنه أبرز شهود القضيّة. فهو اليوم حاخام تركي يهودي يعيش في كندا، لكنّه قبل هروبه إلى تورونتو، كان صحافيّاً استقصائيّاً ارتبط اسمه بعلاقات حميمة مع أجهزة الاستخبارات التركيّة والعالميّة، وخصوصاً بتنظيم ergenekon، حتّى إنّ معظم الوثائق التابعة للتنظيم، عُثر عليها في حاسوبه عام 2001.
وفي مقابلة أجراها أخيراً مع صحيفة «يني شفق»، كشف غوناي عن أنّ مصير حزب العمال الكردستاني كان متوقّفاً على رغبة التنظيم التركي القومي، الذي «كان قادراً على القضاء عليه حين يريد». وفي السياق، قال غوناي إنّ أوجلان أمر مناصريه بـ«عدم العبث مع ergenekon». وتابع أنّ القيادي في «الكردستاني»، جميل باييك، «يملك خزّاناً من أسرار العلاقة التي تربط حزبه بالتنظيم السري».
وعن مصير الحملة الحالية ضدّ التنظيم القومي، يبدو غوناي شديد التشاؤم والواقعيّة، بما أنّ هذه «الهبّة» القانونيّة «لن تصل إلى خواتيمها». فرغم أنه يعترف بأنّ الملاحقات والتحقيقات وصلت إلى حافّة النهاية، فهو يعود ليعرب عن ثقته بأنّ الأمور «سوف تتوقّف هنا لأنّ لا قوّة في تركيا قادرة على وقف ergenekon».
وبالعودة إلى ما ورد في «دستور» هذه الخليّة عن تنظيمها الداخلي، فإنّ آليّة عملها ستشغل بال المحقّقين جدّياً، إذ إنّ بنيتها أفقيّة وليست عموديّة، بمعنى أنّ الوحدات السبع التي تؤلّف جسدها التنظيمي، غير مرتبطة بعضها ببعض، حتّى إنّ رؤساء هذه الوحدات قد لا يعرفون هويّات زملائهم في الوحدات الأخرى.
ويتألّف الهيكل العظمي التنظيمي لـergenekon من 7 أجهزة هي: الرئاسة. وحدة قيادة الاستخبارات. وحدة تحليل المعلومات الاستخبارية. غرفة قيادة العمليات. وحدة التمويل. مركز الأبحاث الداخلي، وإدارة العقيدة. والوحدات الخمس الأولى هي عسكريّة، بينما ينحصر الطابع المدني بالجهازين التمويلي والعقائدي.
وتقوم الفلسفة التنظيمية لهذا الدستور على مبدأ بسيط: ممنوع تواصل قيادات الوحدات السبع مع عملائهم المنتشرين في المجتمع والدولة والجيش والشرطة والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، وذلك لعدم كشف أوراق هذه الخلية الكبيرة. بذلك، «يجب ترك مسافة كبيرة بين القيادة وصفوف المجنّدين والعملاء».
أمّا عن معايير انتقاء العملاء، فالتفاصيل يوردها الدستور كالتالي: على هؤلاء أن يكونوا «من عالم الجديرين بالثقة من عناصر القوات التركية المسلَّحة. على هؤلاء أن يكونوا عديمي الرحمة قادرين على التصرّف باستقلالية عن الأوامر التي يتلقّونها في مؤسساتهم الحكومية. عليهم أن يتلقّوا أوامرهم من رئيس ergenekon مباشرة وحصراً».
وفي الفصل المعنون «السياسات»، يفصّل «الدستور» الإطار النظري للعمل الاستخباري المعتَمَد. وفي إحدى الفقرات، ينصّ على أنّه «في القرن الـ21 ستصبح وكالات الاستخبارات التشكيل الذي يفوق أهميّة السياسيين». ويرى كاتبو نصّ «الدستور»، أنّ «العولمة أدّت الى ذوبان الثقافات في المجتمعات، وتسعى إلى فرض حكومة عالميّة». ويزعم النصّ أنّ الوسيلة الوحيدة لحماية الجمهورية الأتاتوركيّة هي في «إيقاف السياسيين عن العمل بشكل منافٍ لمبادئ ايديولوجية النظام الحاكم وأكثر وسيلة فعّالة هي اغتيال هؤلاء السياسيين».


أبرز الضحايا وأهم القادة المعتقلينأمّا أبرز عملياتها، فهي قتل قاضٍ كبير في مجلس شورى الدولة (1996) واغتيال الصحافي هرانت دينك (2007) ورجل الأعمال أوزدمير سابانشي، وإمبراطور المخدرات الكردي بهجت كنتورك، ومحاولة اغتيال رئيس جمعية حقوق الإنسان أكين بردال.