باريس ــ بسّام الطيارةغطّت «الشعارات التواصليّة» على تبنّي البرلمان الفرنسي أول من أمس مشروعاً لإصلاح المؤسسات الدستورية بفارق صوت واحد من غالبية الثلاثة أخماس المطلوبة، رغم أهمية الخطوة في تحديد مستقبل الحياة السياسية بالنسبة إلى المواطن الفرنسي.
اعترض المعارضون لأن نيكولا ساركوزي حصل على «ملكية بصوت واحد». كذلك، لام المؤيدون المعارضة على «تصرفها البافلوفي» (في إشارة إلى تصرُّف غرائزي يمثّل ردة فعل تلقائيّة على فعل معيَّن) في التصدي لكلّ ما يطرحه الرئيس الفرنسي منذ وصوله إلى الحكم.
وشارك بعض النواب الاشتراكيين هذا الشعور بأن المعارضة «تعارض لكي تعارض» فقط. لكن حتّى هؤلاء الاشتراكيون المنتقدون لحزبهم، لم يذهبوا إلى درجة التصويت لمصلحة التعديل كما فعل وزير فرانسوا ميتران السابق، جاك لانغ، ما سبّب له حملة نقد لاذع من سيغولين رويال التي اتهمته بـ«الخيانة»، مستذكرة ما قاله ميتران عن أنّ «نهر العار هو الحاجز الوحيد على طريق الخيانة».
والواقع أنّ ردّات فعل الطرفين كانت محقّة؛ فساركوزي سجّل انتصاراً يمكن وصفه بالقصير، وكان هو «عدوّ مشروعه». فالمعارضة تأهّبت ضدّ التعديلات، لأنّ الرئيس وراء الفكرة. أكثر من طرف اعترف فعلاً بضرورة إصلاح نظام الجمهورية، إلا أن إلباسه لباس «القطيعة»، وهي الكلمة السحريّة عند ساركوزي، استنفر المعارضة ضده.
كما أن الاشتراكيين كانوا أول من طالب بإجراء إصلاحات على الدستور ليتلاءم مع تطور الجمهورية. أكثر من ذلك. فبعض طروحات ساركوزي وردت في المشروع الانتخابي لرويال نفسها، إلا أنّ «عجزهم عن أداء دور معارضة بنّاءة»، جعلهم «يعارضون لإثبات وجودهم». نظريّة دفعت أكثر من مراقب إلى اعتبار أنّ «الأكثرية والمعارضة فوّتتا فرصة توافق»، إذ إنّ معظم هذه الإصلاحات الدستورية كانت تجري سابقاً في فرنسا متجاوزة خطّ التمييز بين معارضة وموالاة.
ويرى البعض أنّ ساركوزي أقدم على خطوة التعديلات تنفيذاً لتعهّد قطعه على نفسه خلال حملته الانتخابية بإجراء إصلاحات دستورية من دون الدخول بالتفاصيل. فهو، فور وصوله إلى الإليزيه، ألّف في سبيل ذلك لجنة وضع «معلّمه السياسي» ورئيس الحكومة الأسبق، إدوارد بالادور، رئيساً لها، وضمت في عضويتها، انسجاماً مع سياسة الانفتاح على مختلف التيارات السياسية، الاشتراكي جاك لانغ الذي أسهم صوته بترجيح كفة «النعم».
إضافة إلى هذا كلّه، يرى كُثر أنّ الرئيس سعى من وراء هذا الجمع بين المعارضة والأكثرية إلى أخذ «نفس جديد» يستعيد من خلاله بعضاً من شعبيته المتدهورة، وأنه فشل في ذلك رغم مرور «قطوع» الإصلاحات. في المقابل، فإنّ الاشتراكيّين سيدفعون ثمناً باهظاً لرفضهم تأدية «دور المؤثّر على توجّه الإصلاحات بمعارضتهم المنهجية لكل ما يصدر عن ساركوزي».
أما من حيث جوهر الإصلاحات التي ستتطلب شهوراً لتدخل حيز التنفيذ، لكونها مسّت نحو نصف مواد الدستور في التعديل الرابع والعشرين له منذ أن وضعه الجنرال شارل ديغول عام ١٩٥٨، فهو يمنح البرلمان مزيداً من وسائل المراقبة والمبادرة، لكنه يتيح أيضاً للرئيس مخاطبة مجلسي النواب والشيوخ مجتمعين في إطار ما يسمى «مجمع البرلمان».
ظاهرة دستورية لم تكن موجودة في إطار «الفصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية»، وهي نقطة كانت تمثّل محطّ معارضة مشتركة من اليمين واليسار قبل أن يمارس فريق ساركوزي ضغوطاً هائلة على المعارضين في صفوف اليمين، وخصوصاً على المقربين من رئيس الوزراء السابق دومينيك دوفيلبان.
وبموجب التعديلات، بات من غير الممكن للرئيس تولّي سدّة الرئاسة لأكثر من ولايتين متعاقبتين تتألّف كل واحدة منهما من خمس سنوات، يتمتع خلالها بموجب التعديل أيضاً، بحصانة شبه كاملة. كما بات يحقّ له تعيين موظّفي الدرجة الأولى بعد استماع البرلمان إليهم، وهو ما يراه معارضوه «تفرداً بحكم البلاد وتوجهاً نحو نظام رئاسي على الطريقة الأميركية».
وفي الجانب المتّصل بالسلطة القضائيّة، لن يكون بمقدور الرئيس تعيين رئيس مجلس القضاء الأعلى، كما هو حاصل.
أما الخاسر الأكبر من هذا التعديل، فهو منصب «الوزير الأول» أو رئيس الوزراء الذي بات مشابهاً لـ«صلة وصل بين الرئيس والبرلمان» لا أكثر ولا أقل. أمّا البرلمان، فقد كبُرَت صلاحياته «نظرياً»، بحيث ستكون له كلمة مهمة في قضايا الدفاع، بعدما كان حكراً على الرئيس.
غير أنّ تدخّل السلطة التشريعية سيقتصر على مناقشة قرار إرسال القوات، ولكن «فقط بعد مرور ستة أشهر على تدخلها».
ورغم تمتّع الرئيس بحق تقويم أداء الحكومة وإنتاجيتها عبر زيادة عدد لجانه المختصة، إلا أن الحكومة ستحتفظ بحقّ تحديد جدول أعمال المجلس لمدة ١٥ يوماً في كل شهر، بينما تحدد الأكثرية النيابية الجدول لـ١٤ يوماً، ولا يعود للمعارضة سوى يوم واحد يتيم لتقود خلاله جدول الأعمال.
في جميع الأحوال، أعرب ساركوزي عن سعادته لمرور التعديلات أمام البرلمان، فقد دخل اسمه في تاريخ الجمهورية الخامسة عبر تصويت ٥٣٩ مؤيداً في مقابل ٣٥٧ معارضاً، وهو ما ألبس النظام الفرنسي لباساً رئاسياً. نظام رئاسي لم يكتم ساركوزي يوماً رغبته بصبغ مؤسسات بلاده بطابعه، وإن حصل ذلك بفارق صوت واحد، وهو ما يذكر بتصويت سابق حصل عام ١٨٧٥ أقرّ بموجبه البرلمان الفرنسي آنذاك، بفارق صوت واحد أيضاً، «تعديل فالون» الذي أعلن فرنسا «جمهورية برلمانية يحكمها الشعب».


في الحقوق الشخصيّة وشروط الاستفتاءكما بات مسموحاً لكلّ متقاضٍ، بحق الدفع إذا ادّعى عدم دستورية القانون. وهذا التعديل، ضروري لتوافق القوانين الفرنسية مع القوانين الأوروبية، ولتفادي لجوء الفرنسيين إلى المحاكم الأوروبية.
ويبقي التعديل على مبدأ تنظيم استفتاء تلبية لمبادرة شعبية، شرط الحصول على عدد كافٍ من التواقيع، وكذلك على مبدأ الاستفتاء قبل الموافقة على انضمام دولة جديدة إلى الاتحاد الأوروبي، إلا في حال موافقة 60 في المئة من النواب على حصر التصويت في البرلمان، وهو ما أثار استياء اليمين المعارض لانضمام تركيا إلى النادي الأوروبي.