أفقد أسامة بن لادن عدوّه جورج بوش صوابه. فالوعود التي أطلقها الأخير والحروب التي قادها لتعليق رأسه ميتاً أمام الملايين من منتظري دحض الإرهاب، سقطت بعدما قلب تنظيم «القاعدة» القاعدة لمصلحته؛ بات «الزعيم» ونائبه أكثر أمناً من بوش نفسه، بعدما توصلت الـ«سي أي إيه» إلى استراتيجية جديدة، وفرت «الحصانة» لبن لادن، الذي أصبح بقاؤه «ضرورة حيوية» لنجاحها
شهيرة سلوم ـ ربى أبو عمو
يتطلّب الدخول في ماهية الاستراتيجية الأميركية الجديدة لمحاربة تنظيم «القاعدة»، تحديد مكوّنات هذا التنظيم أولاً، بدءاً بقيادته المركزية مروراً بالصف الثاني والثالث، وصولاً إلى حاضنته الشعبية، لتحديد بؤرة الخطر الفعلي، أينبع من المركز أم القيادات «الميدانية» و«التخطيطية» أم من «الخلايا الإرهابية» الموجودة عند أطراف التنظيم، التي تشبه الخلايا العشوائية المنطلقة من نفسها نحو الخارج.
تعدّدت النظريات لتحديد الجهة الأكثر خطراً، حتى استقرّت في توجّهين؛ حدّد الأوّل مركز الخطر ضمن «الخلايا الإرهابية»، بينما أصرّ الآخر على أن الخطورة المطلقة لا تزال قابعة في «القيادة المركزية»، أي مجلس شورى «القاعدة».
جسّد الاتجاه الأوّل عالم الاجتماع والطبيب النفسي الشرعي وضابط الاستخبارات الأميركي السابق، مارك سايج مان، من خلال كتابه «جهاد بلا قائد: شبكات الإرهاب في القرن الواحد والعشرين»، الذي رأى فيه أن «القاعدة» هو نتيجة ثلاث موجات: «الأولى تكوّنت من الحرس القديم، الذي حارب الاتحاد السوفياتي السابق في أفغانستان وأسّس مع زعيمه بن لادن النواة في الثمانينات، أما الثانية فهي محصّلة الشباب الذين انضموا إلى التنظيم في التسعينات وتدرّبوا في مخيماته في أفغانستان». في هذه الفترة كانت مركزية «القاعدة» طاغية وتوجّه عملياتها حول العالم بشكل مباشر. ويشير مان، في كتابه، إلى أن «هؤلاء قلّة، ويمثّلون خطراً كبيراً يستدعي قتلهم». وأكثر من ذلك، «هم يمثّلون تهديداً وجودياً عكس موقف إدارة البيت الأبيض التي تكتفي فقط بتعظيم تهديدهم الإرهابي»، الموجة الثالثة تحوي جيل المتطرّفين الذي انضم إلى «القاعدة» عام 2001 بعد إسقاط نظام «طالبان» في أفغانستان، ونتيجة الاجتياح الأميركي للعراق عام 2003، ليصبح التنظيم معها أخطر من ذي قبل، فتم تأسيس حركة اجتماعية واسعة الانتشار في العالم ترتبط بالقيادة المركزية الموجودة على الحدود الأفغانية ـــــ الباكستانية، التي تمكّنت من خلال شبكات الاتصال العالمية من التواصل مع عناصرها لشنّ عملياتها.هؤلاء «المحاربون من أجل الإسلام» هم بنظر مناصريهم «أبطال»، يقاتلون من أجل العدالة والإنصاف» لرفع الغبن عن مجتمعاتهم. وتعتمد عملية تأصيلهم على «حس الإهانة الأخلاقية» للفرد ما يدفعه للتجاوب مع معاناة إخوانه في الدين الإسلامي في مختلف أنحاء العالم. لهذا، يجب تفسير هذه «الإهانة» ضمن سياق الحرب الكبرى ضدّ الإسلام قبل نقلها إلى المرحلة التالية، وهي مرحلة العنف الأصولي من خلال إنشاء «الخلايا الإرهابية».
هذه الموجة النامية بشكل إطرادي هي عبارة عن «فوضى بلا قيادات»، مكوّنة من آلاف «الإرهابيين التوّاقين إلى التغيير»، «مخلوقات غريبة تنتمي إلى ثقافة الإنترنت»، ومستاءة من صور قتل العراقيين من جانب القوات الأميركية، يجتمعون في غرف «الدردشة»، يشجعون بعضهم بعضاً على أخذ المبادرة. شأنهم شأن بقية العناصر الشباب الذين يشعرون بالملل فيبحثون عن الإثارة.
تعدّ هجماتهم بمثابة «قضية بطولية أكثر منها دينية»، فغالبية الجهاديين لا يتحدّثون العربية أو حتى لم يذهبوا إلى مدارس دينية أصولية. فهم ينضمون إلى التنظيم بناءً على صداقة أو صلة قربى تجمعهم بالمنضوين، وغالبيتهم من صغار السن الذين لم يتجاوزوا العشرين عاماً. «أطفال ساخطون انتحاريون أقرب إلى أفراد عصابة متحضّرة منهم إلى مجموعة إسلامية متعصّبة»، فتتكاثر «الخلايا الإرهابية» بصورة فوضوية وتشنّ هجمات مميتة. تلك الخلايا هي ما رأى الكاتب أنّها «الأشدّ خطورة». ويستدلّ بالمحاكمات التي حدثت في كندا وأوستراليا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا.... كي يُثبت خطورة ما يُسمّيه «radicalized bunches of guys».
في المقابل، يدافع عن التوجّه الثاني الخبير في شؤون الإرهاب في جامعة «جورج تاون» والباحث في مركز مكافحة الإرهاب، بروس هوفمان، الذي يغالط سايج مان لتهميشه دور الزعماء المؤسسين، وهو لا ينفي خطورة ما سمّاه سايج مان «المجموعات الإرهابية المحلّية». لكنّ القيادة المركزية تبقى، بنظره، «الأشدّ خطورة، لأنّها تمتلك القدرة والخبرة من أجل التخطيط والتنفيذ». ويُصرّ هوفمان على أنّه يجب أن «يبقى هؤلاء أولوية بالنسبة إلى الاستخبارات الأميركية، التي عليها أن تُلقي القبض عليهم وتحاكمهم، أو تقتلهم».
ويصف هوفمان تلك «المجموعات الإرهابية المكوّنة من مجموعة أصدقاء»، والتي تؤلّف «خلية إرهابية»، بـ «الخُرافة». ولا يُلغي تهديدها لكنّه يرى أنّه «مؤقت»، ويدعم موقفه بالقول إنّه منذ استطاعت القيادة المركزية إعادة تنظيم صفوفها وبناء جنّتها الآمنة في المناطق القبلية الحدودية الباكستانية ـــــ الأفغانية، اشتدت «الهجمات الإرهابية» من هجوم تموز 2005 في لندن، والتخطيط لتفجير الطائرات فوق الأطلسي في آب 2006، أحداث أعادت تسليط الأضواء على الخطر المتأتي من «المركز إلى القاعدة» (top-down) .

منهجية عمل «السي أي إيه»

يبدو أنّ استراتيجية عمل الاستخبارات الأميركية في محاربة «القاعدة» تفضّل التوجّه الأوّل، لاعتقادها بخطورة «الخلايا الإرهابية» وقيادات الصف الثاني، وهي تعمل على تصفية هؤلاء أو إلقاء القبض عليهم. ويؤكّد مدير الاستخبارات، مايكل هايدن، «لقد جرت في الآونة الأخيرة تصفية عدد كبير من القيادات الرفيعة المستوى».
وتمكّنت واشنطن من قتل عدد كبير من القيادات الميدانية في حروبها في أفغانستان والعراق، أمثال محمد عاطف وأبو مصعب الزرقاوي وقاعد سليم سينان الحارثي، وأبو ليث الليبي.... واعتقال آخرين. وتشهد المحاكم العسكرية في غوانتانامو محاكمة بعض هؤلاء، وفي مقدّمتهم المتهم بالتخطيط لهجمات الحادي عشر من أيلول خالد شيخ محمد.
كيف تتعامل الاستخبارات الأميركية مع «الخلايا الإرهابية» والحاضنة الشعبية؟ من خلال «الاستقطاب». تبلورت هذه الاستراتيجية الأميركية في محاربة تنظيم «القاعدة» على كلّ المستويات بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، عندما أدركت الـ«سي أي إيه» أنّ الأساليب التقليدية التي اعتمدتها من أجل القتال لم تعد نافعة (القائمة على الملاحقة والتصفية أو الاعتقال). بعدها قرّرت تغيير منهجية العمل عبر الدمج بين مجموعة من العمليات (ملاحقة وقتل الإرهابيين وجذبهم في الآن نفسه) من أجل تحقيق استراتيجية «ردعية» تشبه تلك التي استخدمتها في صراعها مع الاتحاد السوفياتي إبّان الحرب الباردة في القرن الماضي.
ولأنها أدركت أنّ الحرب ضدّ «القاعدة» لا تشبه الصراع مع الاتحاد السوفياتي، فالانتقام الأميركي من أي هجوم يمكن أن يشنّه التنظيم لن يكون ضدّ مدن أو بنية تحتية أو أراضٍ أو منظومة صاروخية. هذه الاستراتيجية تهدف إلى «إسكات رسالة القاعدة»، وتحويل «ضعف» الحركة الجهادية ضدّها وتسليط الأضواء على أخطائها ما أمكن.
المفاهيم الردعية الجديدة هذه، أشار إليها تقرير «استراتيجية الأمن القومي لعام 2002» أي بعد عام على هجمات الحادي عشر من أيلول. وذكر أنّ «المفاهيم التقليدية للردع لن تنفع أمام العدو الإرهابي الذي استنبط تكتيكات تحبّذ الدمار واستهداف الأبرياء». وبعد أربع سنوات (2006)، استنتج تقرير الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب «أنّ الحسابية الردعية الجديدة تستلزم الجمع بين الحاجة إلى منع الارهابيين ومناصريهم من شنّ الهجمات، ونصحهم بالكف عن الهجوم»، عبر إقناعهم بمدى «شرّ ما يقومون به». وخلال تطبيق تلك الاستراتيجية، تتورّط الإدراة في حروب على جبهات عديدة، تسعى كل واحدة منها لإصابة هدف معيّن.
الهجوم الأوّل يستهدف «ضرب سمعة وصدقية» التنظيم في العالم الإسلامي، ومن ثم تزرع «بذور الشك» في عقول القيادة الاستراتيجية لـ«القاعدة»، على أنّ يصوّر الهجوم كجريمة مخزية ضدّ الأبرياء، أو يكون فشلاً محرجاً مقارنة بما أنجزه التنظيم من قبل، عندها لن يعطى الأمر بتنفيذ الهجوم.
أما الثاني، فيستهدف الشبكة العالمية التي تدعم بالمال والمواد والخبراء، تلك الفئة التي شغلت «الاستخبارات الأميركية»، فعملت على تطوير «أفكار خلّاقة» كي تردعها وتفصلها عن التنظيم، من خلال إقناعها بشرّ ما تقوم به، وبأنّ «الجنّة الموعودة» هي وهم زُرع في رؤوسهم لتحقيق أهداف «شيطانية».
ويستهدف الثالث الحاضنة الشعبية أو تلك المساحات التي توفر للتنظيم «جنانه الآمنة»، فتُسلب منه بالاستقطاب و«النصح» ونزع جذور الإرهاب عبر التنمية الاجتماعية والاقتصادية ودعم سلطة القانون، وإدخال حكومات تلك المساحات في قطار «الحرب على الإرهاب».
و«النصيحة» التي ستُقدّم إلى من يدعمون «القاعدة» مادياً ومعنوياً، لن تقوم الاستخبارات بتقديمها شخصياً، بل يجب أن يكون مصدرها أشخاص يثق بهم هؤلاء، يكونون منهم. لذلك عملت الاستخبارات على التواصل مع حكومات الدول الإسلامية، الحاضنة الشعبية للتنظيم، ومع مجتمعاتهم وأئمتهم. وتذكر صحيفة «نيويورك تايمز» في مقال صدر في شهر آذار الماضي بعض خطابات رجال الدين التي تصبّ في إطار الاستراتيجية الأميركية، منها الخطبة التي ألقاها مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز الشيخ الكبير في شهر تشرين الأول الماضي ودعا فيها المسلمين إلى عدم الانضمام للجهاد غير المكلّف. والكتاب الذي أصدره زعيم في حركة الجهاد الإسلامي المصرية عبد العزيز الشريف المعروف بولائه لـ«القاعدة» وارتباطه بأيمن الظواهري، يدحض فيه شرعية الجهاد العنفي مستنداً إلى معايير دينية وقانونية.
تأثر الحاضنة الشعبية بعلماء الدين، أكّدته أيضاً دراسة كانت صدرت منذ أقلّ من عامين من مجموعة أبحاث في الأكاديمية العسكرية الأميركية، أشارت إلى أنّ بن لادن والظواهري، فقدا «بريقهما» عند «الجهاديين». وذكرت أنّ علماء الدين، ولا سيما الأردنيين والسعوديين أمثال أبو محمد المقدسي الأردني، لديهم تأثير أكبر على الجيل الجديد من الإسلاميين المسلّحين.إلاّ أنّ الدراسة، التي حملت عنوان «أطلس إيديولوجية المسلّحين»، لم تلغِ التأثير المعنوي لقتل أو إلقاء القبض على بن لادن أو الظواهري في ضبط انتشار الفكر الجهادي في العالم الإسلامي، فهذا «سيكون له تأثير عاطفي».
ماذا عن «القيادة المركزية» وفي المقدّمة بن لادن؟ يشير هايدن إلى أنّ تأثيره «عاطفياً»، محاولاً تقليل أهمية إلقاء القبض عليهم أو قتله.
موقف تتضح خلفيته في ما نقله ديفيد اغناسيوس عن مسؤولي مكافحة الإرهاب في «السي أي إيه»، التي قال إنها لا تُريد أن تترك «إمبراطورية الفوضى» بلا رأس، فتشتدّ خطورتها، وتصبح هجمات تلك «الخلايا الإرهابية» من دون توجيه ولو «روحانياً»، ما يجعلها تخوض حربا «عشوائية» تستخدم فيها أشدّ الأسلحة فتكاً. إذاً فالاستراتيجية السليمة ينبغي أن تقوم على أساس إعطاء الزعيم حصانة تمكّنه من إبقاء هيبته على تلك الامبراطورية. وذلك على قاعدة أن خطورة بن لادن، اشتدت أم بَهُتت، فإن قتله سيكون له تأثير مميت في سياق الحرب العالمية على «التنظيم الإرهابي الأخطر في العالم».
دواعي الفشل
تخوض الـ«سي أي إيه» حربها على «القاعدة» غافلة عن معالجة القضايا التي تمثّل «الباعث الجهادي» للمنضوين تحت لوائه: فلسطين والعراق وأفغانستان. فالسياسة الأميركية الحليفة لإسرائيل منذ نشوئها، ساهمت بشكل أساسي في توليد «الأصولية» التي مثّلت فلسطين «قضيتها المقدّسة».
تلك الحقائق صدرت من قلب واشنطن، حيث أجمع الباحثون والمتورّطون في شؤون الاستخبارات على الدور المركزي للحروب الأميركية. ويلوم سايج مان الولايات المتحدة على جعل» الإرهاب» أسوأ من خلال عملياتها في العراق منذ 2003. يقول إن «الحرب العراقية عبّأت دون أدنى شك حالة الأصولية في العالم، وداخل الولايات المتحدة». وكأنها صبّت الزيت على النار.
لذلك، تتعالى الدعوات إلى خفض القوّات في العراق لأنها تحمل المسلمين على الحقد على الغرب. ويتابع الكاتب أن العمليات العسكرية ضدّ «الإرهابيين» ينبغي أن تكون سريعة ودقيقة و«حس الإهانة الأخلاقية» عند المسلمين يمكن تقليصه من خلال العمل على حل النزاعات المحلية التي يتذرع بها «القاعدة» ويسلّط الضوء عليها لكونها غير عادلة وموجّهة ضدّ العالم الإسلامي.
وعلى المدى المنظور، لا يبدو أنّ القطب الأميركي مستعدٌّ لرفع ظلمه وتضميد الجروح أو التخلّي عن سياسة المعايير المزدوجة في إدارته للنزاعات التي تستقطب «القاعدة»، ولا يبدو أنّه سيتخلّى عن دعمه لإسرائيل، وبالتالي لن يتمكّن من القضاء على خطر «القاعدة» وتطرّفه، الذي سيشقّ طريقه دوماً عبر فلسطين والعراق وأفغانستان، أكان تحت عنوان «القاعدة» أو غيره، وإن استطاعت واشنطن تقليص خطره لفترة وجيزة، ستعود وتنبت جذوره من جديد.


جنّات آمنة في الفضاء المعولمتحوّلت شبكة الإنترنت إلى ملاذ آمن للمجموعات الجهادية المنضوية تحت لواء «القاعدة»، المكان الوحيد الذي مثّل وطناً بحدود جغرافية لهؤلاء المشتّتين في مساحات الدول غير المأهولة إلّا بهم. إذاً لجأ الإسلام الراديكالي، الذي يمثّله الأصوليون، إلى إنشاء العديد من المجموعات الصغيرة التي تنتمي صورياً إلى «القاعدة»، من خلال التعارف بواسطة غرف الدردشة على الإنترنت. وتحاول مجموعة من المفكرين الإسلاميين التأثير على الجهاديين واستقطابهم بصورة أكثر فعالية من أسامة بن لادن.
كان التركيز الأساسي على شبكة الإنترنت، التي تعدّ الملجأ الآمن لشبكات «الإرهابيين» واتصالاتهم، بهدف التنسيق مع بعضهم بعضاً للتخطيط لهجمات جديدة، وتجنيد أعضاء جدد. فـ«الإرهابيون» لا يملكون الأرض أو الحدود التي تتيح حصرهم، عدا شبكة الإنترنت.
تمكّن إعلام «القاعدة»، الذي تديره شركة «السحاب»، من بث مجموعة من أشرطة الفيديو بصورة شبه يومية على الإنترنت. ويمكن القول إن أبا مصعب الزرقاوي، القائد السابق لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، هو أب الحداثة، بعدما أصر على أن يحمل المقاتلون معهم آلة تصوير، باعتبارها أحد أسلحة الحرب، وأمرهم بتسجيل كل عملية، على أن يجري بثها على موقعي «يو تيوب» و«فايس بوك».
ويقول أحد الخبراء الأميركيين إنه «سابقاً، كان يُنظر لهؤلاء الرجال على أنهم أوغاد ومختلون عقلياً، وأنهم إرهابيو شبكة الإنترنت، وليس لهم حضور حقيقي»، إلى أن فاق حضورهم عظمة الولايات المتحدة، التي بدأت تلجأ إلى الوسيلة نفسها لتشويش عملهم وعرقلة خططهم.


... و أخرى على الأرض المهجورةوبصفته تنظيماً لا مركزياً، احتاج «القاعدة» إلى تأمين بؤر مناسبة للانتشار، سمتها الاستخبارات الأميركية «الجنّة الآمنة». ويُعرفها تقرير لوزارة الخارجية الأميركية بأنّها مساحات غير خاضعة لسلطة أي دولة، وتمثّل تهديداً لمصالح الأمن القومي الأميركي.
هذه الجنات الآمنة موجودة في عدد من البلدان العربية؛ الصومال هي إحدى هذه الدول التي يمثّل وجود الإرهابيين فيها تهديداً حقيقياً للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
أما في منطقة المغرب العربي، فتمثّل المناطق غير المؤهولة ملاذاً آمناً للإرهابيين في ظل تقاعس الحكومة عن فرض سيطرتها عليها. وقد ازدادت العمليات الإرهابية التي استهدفت المصالح الأميركية بعد عام 2007، والتي كان «الإرهابيون» الإسلاميون الموجودون في هذه المناطق مصدرها، بعدما اندمج تنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي» و«الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة»، في تنظيم القاعدة الأم.
إضافة إلى هاتين المنطقتين، تحوي أيضاً منطقتا سولاويسي وسولو البحرية، الواقعة بين إندونيسيا وماليزيا والفيليبين، مجموعات جهادية.
لم يتحول العراق بعد إلى «جنة آمنة» بالنسبة إلى الجهاديين، إلّا أن تنظيمات القاعدة في العراق، وأنصار الإسلام، وأنصار السنة، وبعض المتطرفين الشيعة يرون في بلاد الرافدين مكاناً ملائماً لاتخاذها ملجاً آمناً. والأمر سيان بالنسبة إلى اليمن.
أما في باكستان، فغالباً ما تكون هذه التنظيمات في المناطق القبلية، إضافةً إلى المقاطعات الشمالية الغربية، التي تمثّل بالنسبة إلى المقاتلين الأفغان و«القاعدة» وغيرهما من التنظيمات جنة آمنة.


النساء يغوين للجهاد

للنساء أيضاً دور أساسي في تنفيذ عمليات انتحارية. ولم تقتصر مهمتهن على هذا الحد، بل هناك فئة من نساء «القاعدة» اللواتي أدّين دوراً مهماً في نشر أخبار وأفكار التنظيم عبر الإنترنت، فضلاً عن التحريض والتعبئة لتوفير مناخ ملائم للتنظيم في تجنيد الرجال والنساء للانخراط في «الجهاد».
ويقدم أحد مراكز الأبحاث والدراسات في السعودية إحصائية تشير إلى أن 40 في المئة من مواقع أصحاب الفكر المتطرف تديرها نساء، تراوح أعمارهن ما بين 18 و50 عاماً، وينتمين لمناطق جغرافية مختلفة. وكان لهن دور أساسي في التأثير على الأخ أو الزوج ودفعه للانضمام إلى مجموعات قتالية جهادية. ويمثّل موقع الخنساء نموذجاً عن الرغبة الجديدة لدى «القاعدة»، لتجنيد النساء في أعمال الانترنت.
وبدأت قصة الانتحاريات العراقيات مع إعلان زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين أبو مصعب الزرقاوي، تجنيد امرأة لتنفيذ عملية انتحارية في بلدة تلعفر القريبة من الحدود السورية في أيلول عام 2005. وقال الزرقاوي حينها «اللهم تقبّل أختنا بين الشهداء»، فقد دافعت عن «عقيدتها وشرفها».


بانتظار حور العين

أجرى رئيس شركة «سيغمان للاستشارات المحدودة» في روكفيل في ولاية ماريلاند، مارك سيغمان، الباحث في قضابا الإرهاب، دراسة حاول من خلالها المقارنة بين الأساطير التي كوّنت أو احتوت عوامل نشوء تنظيم «القاعدة»، من حيث عقيدته وأهدافه واستراتيجيته.
تقول الأسطورة، بحسب هذه الدراسة، إن
- الإرهاب ينجم عن الفقر، والمدارس الداخلية الدينية التي تعلّم الشباب كره الغرب وتحوّلهم إلى إرهابيين.
- الإرهابيون بسطاء، قليلو العلم، ينضمّون إلى القاعدة بسبب الجهل. في الغالب هم ذكور غير متزوجين، وبالتالي متحررون من أية مسؤولية عائلية.
- ينضم الإرهابيون إلى تنظيم القاعدة نتيجة اليأس لعدم امتلاكهم أي مهارات مهنية يحتاج إليها السوق. هم مجرد مجرمين، انتحاريين، بينهم مجانين.
- يتم تجنيد «إرهابيي القاعدة» من جانب زعماء يجتذبون الجماهير ويتصيدون ضحايا يعانون الوحدة ويسهل التأثير عليهم.
أما «الحقيقة»، بحسب الدراسة نفسها، فتقول إن
- الغالبية العظمى من الإرهابيين ينتمون إلى الطبقة الوسطى والعليا من المجتمع.
- رغم لجوء تنظيم «القاعدة» إلى تبرير عملياته قائلاً إنها تهدف إلى تحسين أحوال أشقائهم الفقراء، فإنهم لم يكونوا يوماً فقراء.
- التحق 13 في المئة فقط من «الإرهابيين» بالمدارس الدينية في منطقة جنوب شرق آسيا حيث جنّد مديرا مدرستين، هما عبدالله سكجار وأبو بكر باعسير، أفضل طلابهما لتكوين العمود الفقري للجماعة الإسلامية، وهي منظمة إندونيسية تابعة لتنظيم «القاعدة»، ما يوضح أن نسبة 87 في المئة من «الإرهابيين» دخلوا مدارس علمانية.
- هذه النسبة الكبيرة من «الإرهابيين» المتعلمين لا يعرفون الكثير عن الدين. إذ درس العديد منهم الهندسة، الأمر الذي زاد من درجة خطورتهم. فعدم حصولهم على تعليم ديني جعلهم أكثر عرضةً لتقبل نمط متطرف من الإسلام، إضافة إلى كونهم يملكون مهارات لصنع قنابل.
- كان لعدد قليل جداً من «إرهابيي القاعدة» تاريخ إجرامي. لم يكن لأي واحد من منفذي اعتداءات 11 أيلول في الولايات المتحدة أي سجل إجرامي في أي دولة. بدأ ذلك يتغير، وبالأخص في أوروبا الغربية حيث يأتي مجندو «القاعدة» الجدد من الجيل «المبعد»، ويباشرون التخطيط لارتكاب جرائم صغيرة أو الاتكال على تجارة المخدرات بغية تأمين معيشتهم.
- يتم تجنيد أفراد في «القاعدة» عبر الصداقة والقربى. ويرى البعض أن عدم توافر فرص الاتصال الجنسي للشباب المسلم، يحول إحباطهم الجنسي هذا إلى «إرهاب انتحاري لنيل المكافأة السماوية، والتمتّع بحور العين».