صحيح أنّ الأرجنتين ورئيستها كريستينا كيرشنير نجتا من قطوع الأزمة الزراعيّة، إلا أنّ ارتداداتها لم تنتهِ وسبّبت انفصال الثنائي كيرشنير وصانع الرؤساء ألبرتو فرنانديز
بول الأشقر
مع استقالة مدير مكتب الرئاسة الأرجنتينية ألبرتو فرنانديز، تحاول الرئيسة كريستينا كيرشنير الانطلاق ببداية جديدة لولايتها. وقد عيّنت مكان فرنانديز، سيرجيو ماسا البالغ من العمر 36 عاماً فقط.
في ظلّ غياب منصب رئيس للوزراء في النظام الرئاسي، يتحول مركز مدير المكتب الرئاسي إلى ثاني أهم المناصب، إذ يبقى على اتصال مباشر بمركز السلطة، وهو المسؤول عن عقد التحالفات السياسية الناظمة للعمل الحكومي.
فرنانديز (49 سنة) هو في الأساس قريب من إدواردو دوهالدي، البيروني الذي استقرّت عليه الرئاسة بعد الانهيار الاقتصادي الذي عرفته الأرجنتين في نهاية عام 2001. انهيار أدّى إلى استقالة 3 رؤساء في أقلّ من أسبوع. ودوهالدي عيّن فرنانديز مديراً للمكتب الرئاسي بعدما اختارا معاً نيستور كيرشنير لخوض الانتخابات الرئاسية عام 2003. وتحوّل فرنانديز المحنك والمحتشم إلى «دينامو» لعهد نيستور كيرشنير ومفتاحاً لشبكة علاقاته. وبعدما اختار هو ونيستور، كريستينا أفضل اسم للرئاسة، أراد أن ينسحب من منصبه مع انتهاء ولاية كيرشنير الزوج. إلا أنّ هذا الأخير فاجأه عندما قال له: «ألبرتو، فقط شخصان يعرفان أحشاء الرئاسة، أنت وأنا. أنا خارج منها، فعليك أن تبقى». أما كريستينا، فاشترطت بقاء فرنانديز إلى جانبها لتقبل بـ«مغامرة» الترشّح. وهكذا جسّد فرنانديز استمرارية إدارة السلطة واستقرارها، وهو الذي اقترح اسم الراديكالي المنشقّ خوليو كوبوس، لنيابة الرئاسة.
بعد خروجه من السلطة، انكبّ نيستور على إعادة بناء الحزب البيروني، فيما رأى فرنانديز في هذه الفكرة نشازاً عن مشروعهما بتشكيل أكثرية حديثة تتخطّى الانقسامات الحزبية الكلاسيكية. وقد فرضت الأزمة الزراعية على نيستور أن يتورط أكثر فأكثر في الصفوف الأمامية للدفاع عن ولاية الرئيسة المبتدئة، وهو من أنصار رفع التحدي ومضاعفة الرهان كلما صعّد الخصوم. إلا أن طول النزاع وامتداده إلى المناطق، كشف تدريجاً عن نقاط ضعف الكيرشنيرية. فذابت الأكثرية التي كانت تتمتع بها الرئيسة في مجلسي النواب والشيوخ، واستفاق خصوم كيرشنير داخل الحزب البيروني في شتى المحافظات.
وأخيراً، ساءت علاقاته مع ألبرتو فرنانديز، بحيث راح ينسب إليه القرار الزراعي المشؤوم الذي زعزع العام الأول من الولاية، وفرنانديز يشتكي من إدارة نيستور العشوائية والتصعيدية للأزمة. وآخر ما قام به فرنانديز، هو إقناع الرئيسة بعدم الاستقالة بعدما رأى زوجها نيستور أن القرار الاستراتيجي السليم يفترض رفع التحدي مرة أخيرة... بالذهاب إلى البيت!
ويمثّل وصول سيرجيو ماسا (وهو أيضاً من تلاميذ دوهالدي الذين التحقوا بكيرشنير، وهو مقرّب من الزوجي الرئاسي) إلى إدارة مكتب القصر، فرصة جديدة لولاية كريستينا. فهو آت من صفوف البيرونية، واشتهر بقدرته الإدارية بما أنه كان يشغل مركز المحافظ المعين في ولاية تيغري.
نقاط عديدة تبدو في رصيده، أهمها طلّته الإعلامية الجذابة، تقابلها نقطة ضعف طابعه العصبي. قد تبقى الحكومة قائمة لأن عمرها لم يتخطَّ بعد سبعة أشهر، لكن مع تغييرات طفيفة مثل خروج بعض الوزراء، ومن بينهم وزير الزراعة غييرمو مورينو.
مهمة ماسا الأساسية هي إعادة الأرجنتين ومعها الدولة إلى العمل وترميم صورة الرئيسة التي لحقت بها أضرار جسيمة. إضافة إلى تضميد الجروح بين الرئيسة ونائبها كوبوس الذي يرى 60 في المئة من الأرجنتينيّين أنه «أنقذ الحكم ولم يخنه»، ثمّ بين نيستور كيرشنير وخصومه البيرونيين، فضلاً عن إعادة بناء الأكثريات في مجلسي النواب والشيوخ التي تبخرت تحت حدة الصراع مع المزارعين.