باريس، عاصمة الموضة، كانت على موعد أمس مع باراك أوباما، الذي مكث فيها ثلاث ساعات، قبل أن ينتقل إلى عاصمة الضباب، لندن، مختتماً جولة أورو ــ شرق أوسطية «فاتنة» بفضل «نجومية المرشح الأسود المحظوظ»
باريس ــ بسّام الطيارة
لم يحظ الباريسيون بفرصة لقاء مباشر مع المرشح الديموقراطي للرئاسة الأميركية، باراك أوباما. اقتصرت زيارته على ثلاث ساعات فقط، وتساءل الفرنسيون عن سبب غياب أي «لقاء شعبي»، ولا سيما بعدما خصص لبرلين يوماً كاملاً وخاطب أكثر من 200 ألف ألماني في ساحة «قوس النصر».
«مئتا ألف في برلين وصفر في باريس» هو ما سيبقى من مرور المرشح الأميركي في العاصمة الفرنسية، فهل يمكن وضع الملامة على الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي «يهتف قلبه للمحافظين الجدد» ويطبق سياستهم عموماً؟ أم أن المرشح الأميركي يقوم بـ«زيارة رفع عتب» وقرر اختصارها قدر المستطاع؟
مزيج من هذا وذاك؛ يقول أحد المراقبين إن «أوباما يرفض أي لقاء شعبي في فرنسا، لأنه يدرك أن غالبية مؤيديه هم من الفئة الملوّنة من الضواحي»، وهذا لا يخدمه البتة لدى ناخبيه الوسطيين البيض والإسبان. وللأسباب نفسها، فإن ساركوزي لم يكن ليقبل بتجمهر مئات الألوف من سكان الضواحي أمام المرشح الأسود ليهتفوا مذكرين الرئيس الفرنسي بما قاله قبيل انتخابه عن ضرورة «تنظيف الضواحي من الحثالة».
ويتمتع أوباما بشعبية كبيرة جداً في فرنسا تطال الطبقات المتوسطة والغنية التي لم «تهضم بتاتاً الرئيس الحالي جورج بوش». وتشير آخر إحصاءات إلى أنّ ٨٤ في المئة من الفرنسيين مستعدّون للتصويت له في مقابل ١٢ في المئة فقط لمنافسه الجمهوري جون ماكاين. لكن هذه الشعبية يمكن أن تكون عائقاً سلبياً أمام رأي عام أميركي لا يزال يذكر موقف فرنسا المعارض للحرب على العراق، وظلّ يقاطع لأربع سنوات الـ«بطاطا المقلية» لأن اسمها «فرنش فرايز». ويرجّح العديد من الفرنسيين أنّ وصول أوباما إلى سدّة الرئاسة بات «محسوماً» بحكم التغيير الحاصل في ذهنية الغرب «والاستعداد النفسي» لهذا التغيير.
في المقابل، يرى مراقبون أنّ العلاقات الفرنسية ـــــ الأميركية، التي تعود إلى أكثر من مئتي عام، هي نوع من «الحب المكره»، فـ«الإعجاب المتبادل» و«الخلاف الحضاري» موجود بقوة.
وشبّه البعض زيارة أوباما المختصرة إلى باريس بمرور ماكاين في العاصمة الفرنسية في الربيع الماضي. ويشيرون إلى أنّ المرشح الأسود أصرّ على عدم رفع العلم الأميركي خلال المؤتمر الصحافي «المقتضب والقصير» حتى لا يبدو في وضعية من «يزاحم الرئيس قبل أن يصبح رئيساً».
ورأى أحد المراقبين أنّ أوباما أراد من زيارته لباريس «الاستماع إلى ما عند ساركوزي والاستفادة من خبرته». وقال: «أوباما يرى ضرورة أن تعمل الولايات المتحدة وحليفتها التاريخية فرنسا يداً بيد في الملفات الدولية الكبرى، وخصوصاً الملف الإيراني».
وتطرّق الرئيس الفرنسي، خلال مباحثاته مع أوباما، إلى «التعاون المشترك» و«ضرورة ربح الحرب في أفغانستان». وقال، لصحيفة «فيغارو» إن «أوباما صديقه»، وتابع متباهياً: «إنني الفرنسي الوحيد الذي يعرفه»، مذكّراً بأنّه التقاه عام ٢٠٠٦. وكشف «سرّاً» بقوله إنه «بعكس مستشاريه في الخلية الدبلوماسية، لم يعتقد للحظة واحدة بإمكان نجاح منافسة أوباما، هيلاري كلينتون».
ورأى البعض أنّ ساركوزي أراد أن «يدغدغ الحزب الاشتراكي ومنافسته سيغولين رويال» التي راهنت على نجاح كلينتون ورفعت عالياً صوراً مشتركة خلال الحملتين. ورأى البعض أن هذا كان وراء «رفض أوباما الالتقاء بأي ممثل للحزب الاشتراكي» خلال زيارته.
وهناك العديد من أوجه التشابه بين ساركوزي وضيفه الأميركي، فالاثنان ينحدران من «أصول مهاجرة من الجيل الثاني»، وكافحا من أجل الوصول إلى أعلى المناصب. إلا أنّ هناك اختلافاً في طروحات الرجلين: أوباما، بخلاف ساركوزي الذي يدعو إلى ضرورة «الحد من الهجرة وإقفال الحدود»، يتحدّث عن تمازج المجتمعات والجسور الممدودة بين الشعوب وفتح الحدود في إطار عولمة شاملة، ويرى نفسه «أفضل ممثل لها».
لا شك في أن شعبية المرشح الأسود تخطت أميركا، وأن جولته الأورو ـــــ شرق أوسطية «فتنت العقول»، التي كان يخاطبها أينما حلّ، عقول الناخبين الأميركيين، وسواءٌ أكان البريق الذي رافقه مفتعلاً، أم هو الحظ، هناك شيء ثابت، وهو ما يُحكى عن «قولبة العقول» التي أدت هوليوود دوراً كبيراً في صياغتها تحضيراً لتقبل وصول «رئيس أسود» للولايات المتحدة. ويشير الخبراء إلى أحدث «صناعاتها الفكرية»، مسلسل «٢٤ ساعة» الذي يُلاقي رواجاً عالمياً ويؤدي الممثل الأسود دنيس هايسبر دور رئيس الولايات المتحدة. ويأتي هذا الإنتاج في سياق سياسة «ثقافة مساواة عنصرية» منذ إطلاق فلسفة «الانتظام السياسي». ويرى البعض أنّ هناك «لوبي كبيراً» يقف وراء تسويق فكرة «أميركا المتعدّدة العنصريات» لمحاربة «صورة أميركا البشعة» في العالم.


«يمكنكم الاعتماد عليّ»

أنهى المرشح الديموقراطي، باراك أوباما، أمس، جولته الخارجية التي استمرت لنحو أسبوع، وشملت العراق وأفغانستان والكويت والأردن والقدس المحتلة ورام الله وبرلين، قبل أن يمضي يومه الأخير بين باريس ولندن، التي أراد من ورائها أن يظهر للناخب الأميركي أنّه مؤهل لقيادة البلاد في السياسة الخارجية كما الداخلية.
وتمنى أوباما، في مقابلة مع تلفزيون «سي أن بي سي»، أن تكون جولته قد أظهرت للناخبين الأميركيين أنّه «يمكن الاعتماد» عليه. وقال: «ما فعلته هذه الرحلة هو أنّها سمحت لي بالحديث عن قضايا حاسمة تواجهنا». وأضاف: «كما أتاحت لي توصيل رسالة إلى الشعب الأميركي مفادها أنّ الأحكام التي أصدرتها والتي سأصدرها ستجعلهم أكثر أمناً».
وتابع المرشح الديموقراطي: «أعتقد بشدّة منذ بداية هذه الحملة وخلال السنوات الأخيرة أنه لا يمكننا حلّ المشكلات التي تواجهنا في الولايات المتحدة وحدنا. سنكون أكثر فاعلية إذا ما ألفنا تحالفاً دولياً». وشدّد على أنّ «أفغانستان وإيران والتغيرات المناخية وسياسة الطاقة» هي بعض القضايا التي يجب أن تتعاون فيها الولايات المتحدة وأوروبا.
وفيما كان أوباما يجول خارجاً، أعرب منافسه الجمهوري جون ماكاين عن سعادته لأنّه يقضي وقته متجولاً في موطنه بدلاً من قضائه في أوروبا أو الشرق الأوسط. وقال، معلّقاً على خطاب أوباما في ساحة «قوس النصر» في برلين: «أودّ أن أُلقي خطاباً في ألمانيا، ولكنني أفضل أن أقوم بذلك وأنا رئيس بدلاً من أن أكون مرشحاً للرئاسة».
(أ ب)