موفد فرنسي إلى إسرائيل وأراضي السلطة... وخشية من اعتراضات إقليميّةباريس ــ بسّام الطيارة
بات من شبه المؤكد أن الانفجارت الأخيرة في غزة وتبادل الاتهامات بين «حماس» و«فتح» قد عطّلت أي تحرك في اتجاه استئناف الحوار والحد من الاحتقان بين الحكومة المقالة وسلطة محمود عباس، وذلك عشية وصول السفير الفرنسي السابق، إيف أوبان دو لامسيوزير، الذي كان يشغل منصب مدير شؤون أفريقيا والشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية، إلى «إسرائيل والأراضي الفلسطينية».
زيارة كشف عنها المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الفرنسية إيريك شوفاليه، الذي أكد أنها «خاصة في إطار عمله الجامعي». لكن الوزير برنار كوشنر كان قد أكد بطريقة غير مباشرة في ١٧ حزيران، عقب «مهمة دو لا ميسوزير الأولى»، ولقائه قيادات «حماس»، أن «الاتصالات قائمة منذ أشهر»، وذلك «لتكون لباريس القدرة على الحديث مع الجميع إذا أردنا أن نقوم بدور».
إلا أنه من «غريب الصدف» أنه بعد أقل من شهر على «مرور الدبلوماسي ـــــ الأكاديمي» في فلسطين، أعلن كوشنير في ١٨ حزيران «اتفاقاً بين إسرائيل وحماس على تهدئة أعمال العنف». وقطفت مصر في حينها «قصب الظفر بهذا الاتفاق»، فيما أكد أكثر من مصدر أن «ضغوطاً أوروبية هائلة وضعت للوصول إلى اتفاق»، مشدداً على «جهد خاص من فرنسا».
ويبدو أن فكرة الانفتاح على «حماس» ولدت في سياق التحضيرات للقمة من أجل المتوسط. وأكد أكثر من مصدر أن الاجتماعات التحضيرية وصلت إلى قناعة بعدم إمكان الوصول إلى عتبة النجاح إذا لم يجرِ «تحريك الوضع في غزة نحو نوع من التهدئة». وعلمت «الأخبار» من أحد المشاركين في هذه الاجتماعات أنه أمام هذه «البداهة»، وقف هنري غيينو، «صاحب فكرة الاتحاد من أجل المتوسط»، وصرخ «لنرسل دو لا ميسوزير بمهمة أكاديمية». ومن ضمن «التسهيلات» التي قدمتها باريس، التي مرت بعيداً عن الإعلام، هي زيارة القنصل العام الفرنسي في القدس المحتلة، ألان ريمي، في ١٤ تموز لغزة. وبرر ريمي الزيارة بأنها للاحتفال «بالعيد الوطني الفرنسي» في المركز الثقافي، «وأنه لن تجري أي مباحثات مع حماس»، وهو ما وصفه الناطق باسم الحركة الإسلامية، سامي أبو زهري، «بأنه للاستهلاك الإعلامي»، مؤكداً بطريقة غير مباشرة وجود اتصالات رسمية مع حركته.
وتشدّد هذه المصادر على «الدور الذي أدّته دمشق» في الدفع نحو اتفاق وأن التشديد على وساطة مصر جاء «بسبب دورها الفاعل على الحدود» واستيعاباً لرد فعل «قد يكون سلبياً». وكان مصدر في وزارة الخارجية الفرنسية قد أكد في ٩ حزيران أن «لسوريا دوراً في المصالحة الفلسطينية مثلما كان لها دور في تحقيق المصالحة اللبنانية».
مرة أخرى، يتوجه «السفير السابق في مهمة أكاديمية»، لكن اللافت أنها تحدث «بعد قمة الاتحاد من أجل المتوسط»، التي شهدت «نشازاً واحداً قبل البيان النهائي يتعلق بالملف الفلسطيني». ولكن كما يقول أحد المقربين من هذا الملف فإن «الزيارة تأتي بعد عملية التبادل بين حزب الله وإسرائيل»، وذلك في ظل إشارات متعددة أطلقتها «حماس» برغبتها «بوساطة دولية» في ملف تبادل الجندي «الفرنسي ـــــ الإسرائيلي جلعاد شاليط».
وعلمت «الأخبار» أن الدبلوماسية الفرنسية تسعى بدعم أوروبي كبير إلى تحريك الملف الفلسطيني مستفيدةً من «وهن الإدارة الأميركية» خلال الفترة الباقية من ولاية جورج بوش ومرتكزة على رغبة ساركوزي بإخراج الجندي شاليط، وأن هذا التحريك ستظهر بوادره في الأسابيع القليلة المقبلة وأن «نتائجه قد تكون باهرة على الصعيد الإنساني لكلا الطرفين». ورغم رفض المصادر الحديث عن «مفاوضات مباشرة ثلاثية بين إسرائيل وحماس والسلطة»، إلا أنه يمكن التأكيد على أن الفكرة «التي يُبنى عليها، تشابه تمرين سيل سان كلو» الذي جمع الأفرقاء اللبنانيين، وأنه ستتمثّل فيه واشنطن والقاهرة والاتحاد الأوروبي في إطرار مقفل «تؤدي فيه باريس دور المسهل».
ويقول مصدر إن عدم تحريك الملف الفلسطيني يعني فشل «الاتحاد من أجل المتوسط»، وأن بعض «القوى الممانعة في المنطقة» وعدت ساركوزي بدعم مبادرته ومساعدته لإنجاحها. وكانت مصادر مطلعة قريبة من الإليزيه قد أكدت «أن (الرئيس السوري) بشار الأسد وعد ساركوزي بالمساعدة في ما يتعلق بشاليط»، وأن نجاح عملية التبادل مع الطرف اللبناني دفع بالعديد من المسؤولين الإسرائيليين للعمل على «الدفع باتجاه دينامية ساركوزي الناجحة».
ويتخوّف المراقبون من أن تكون الاشتباكات الأخيرة في غزة والتراشق الإعلامي مؤشراً إلى رفض «بعض الأطراف» إعطاء دور لفرنسا وأوروبا في الملف الفلسطيني، بعد النجاح في الملف اللبناني، يمكن أن ينقل مجمل ملف الشرق الأوسط إلى أياد أوروبية في عودة تاريخية إلى أصول الصراع.