أرنست خوريكان رئيس الحكومة البريطانيّة غوردن براون، على الأرجح، يحتسب الثواني وهو مجتمع بالمرشّح الأميركي الديموقراطي باراك أوباما في لندن أول من أمس. حتّى إنه ترك ضيفه يدلي بكلامه للصحافيين وحيداً. هو يريد الرحيل... في إجازته السنويّة.
هو وزوجته سارا وولداه جون وفرايزر تعبوا من عام حكم كارثي حوّل آل براون إلى مضرب مثل في الفشل منقطع النظير في تاريخ المملكة.
3 أسابيع سيقضيها براون مستجمّاً بعيداً عن الهموم. في المقابل، 3 أسابيع ستكون عزّ العمل لمن يسنّ أسنانه لخلافته في حزب العمّال والحكومة.
المياه لا تجري تحت أقدام براون، فهو يدرك، بلا شكّ، أنّ 7 أسماء من «العمّال» باتوا مرشّحين لخلافته. يهوى التظاهر بأنه مطمئنّ إلى بقائه في منصبه 18 شهراً إضافية، لكنّ الضربات السياسية التي تأتيه كل يوم من كل حدب وصوب أرهقته وأفهمته أنه لا يمكنه أن يتشبّث طويلاً بعناده ما دام «لا شيء يسير كما يجب».
سياسياً واقتصادياً وانتخابياً الأرقام تتكلم بلغة الكوارث. يدرك براون أنه لا يمكنه في ظل ظروف كهذه التصرف كأنّ شيئاً لم يكن... فهو يحكم بريطانيا لا زيمبابوي روبرت موغابي.
ظهر باراك أوباما في صورة نقيضة لمضيفه. الأوّل يعيش أفضل أيّامه، والثاني أسوأها على الإطلاق. وعندما أراد المرشّح الأسمر وداع براون، ربت كتفه مواسياً إياه بالقول: «نكون دائماً أكثر شعبيّة قبل أن نحكم ونتسلّم زمام السلطة... هذه الأمور تسير دائرياً، فعلى صعيدي الشخصي تمرّ أيّام أكون فيها عبقرياً، بينما تشعرني فترات أخرى أنني غبيّ». أراد أوباما مواساة براون، فزاد الهمّ عليه.
ثمّ خرج أوباما من شارع «10 داونينغ ستريت» واتّجه إلى مقرّ رئيس المعارضة ديفيد كامرون، حيث أجرى معه اجتماعاً «حارّاً» دام ساعة وعشر دقائق، سُمع أوباما خلالها يهنّئ كامرون على «نجاحه» في قدرته على التحوّل إلى السياسي الأكثر شعبية في بريطانيا.
ربما كان براون يعدّ الثواني خلال لقائه ضيفه الأميركي، لا لأنه مستعجل على أخذ إجازته العائليّة فحسب، بل ربما لأنه كان يعرف أنّ الساعتين اللتين قضاهما معه، كانتا ثمينتين جداً بالنسبة إلى ثلاثة أشخاص: وزير الخارجية ديفيد ميليباند، ووزير العدل جاك سترو، ووزير العمل جيمس بورنيل. فالثلاثة إلى جانب آخرين واصلوا اجتماعاتهم التشاوريّة للاتفاق على خلف لبراون. إلا أنّ الاتفاق في ما بينهم (ويُضاف إليهم 4 مرشّحين آخرين أبرزهم وزير الثقافة أندي برنهام) يبدو صعباً، لذلك تُرسَم في هذه الأوقات خريطة تضع كل من سترو (ممثّل ما بقي من يسار في الحزب العمالي) وميليباند على رأس فريقين من المرشّحين.
صحيح أنّ الجميع كان يدرك أنّ عهد براون منذ حزيران 2007 كان من الأسوأ في تاريخ حزب العمّال. إلا أنّ مصيبة الانتخابات التشريعية الجزئيّة التي جرت يوم الخميس الماضي في اسكتلندا (مسقط رأس براون وسلفه طوني بلير) وتحقيق الحزب الانفصالي هناك فوزاً تاريخياً في المنطقة المعروفة بأنّها عقر دار «العمّال»، دقّ ناقوس الخطر، وحمّس رموز «العمّال» على التحرّك والكلام الصريح حول ضرورة البحث عن بديل لبراون. فما حصل في المنطقة الشرقية من اسكتلندا ليس أمراً عادياً. فقد حقّق «العمال» هناك رقماً قياسياً جديداً يُحتَسَب لعهد براون، إذ إنّ مرشّحة حزبه مارغريت كوران خسرت أمام منافسها الانفصالي جون مايسون بفارق 300 صوت، بينما في انتخابات عام 2005 في الدائرة الانتخابية نفسها، فاز مرشّح «العمال» حينها بفارق 13507 أصوات!
أكثر من ذلك، فبراون فقد نهائياً دعم نقابات حزبه في الأيام الثلاثة الماضية، وهو يستعدّ لمواجهة «الحقيقة» التي قد تنتزع منه الدعم الشعبي العام، وذلك في شهر أيلول المقبل خلال مؤتمر الحزب الحاكم.
ولأنّ براون أصبح كالفريسة سهلة المنال، فهو يقضي أيّامه في الفترة الأخيرة بمشاهدة أصدقائه والمقربين منه يبتعدون عنه لمصلحة المرشّحين لخلافته. فالوزير العمالي السابق جورج هوارث دعاه قبل أيّام فقط إلى «الرحيل». أمّا وزيره بورنهام، فيبدو أنه وضع نفسه في الماكينة الانتخابية لبورنيل، إذ اعترف في مقابلة أجراها مع صحيفة «تايمز» بأنّ البريطانيين ملّوا من «العمّال» الذين يحكمون البلاد منذ فترة طويلة، مشيراً إلى أنّ «أشخاصاً مثلي ومثل جيمس (بورنيل) يمكنهم الإتيان بأفكار جديدة». حتّى العمّالي بيتر مندلسون، مفوّض الاتحاد الأوروبي لشؤون التجارة حالياً، أعلن بدوره أنّ على حزبه ألا يحار بين المرشّحين لخلافة براون، ويختار ميليباند.