بغداد ــ زيد الزبيدييسود الغموض الهدف من مساعي رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، لإنشاء «مجالس إسناد» أو «صحوة» عشائرية في جنوب البلاد، بعدما كان يرفض ذلك في السابق. وتفاوتت التحليلات لهذه المساعي بين وضعها في إطار الجهود ذات الأهداف الشخصية والحكومية والحزبية الضيقة، أو في إطار الخطة الأميركية لتعميم نماذج «الصحوات» على كامل بلاد الرافدين.
وكان المالكي، ومعه القيادي في «حزب الدعوة» حيدر العبادي، قد عقد مؤتمراً أول من أمس في بغداد لقبيلة العبادة، وأعلن عزمه على تأليف مجالس إسناد عشائرية في كل محافظة عراقية، ينبثق منها «مجلس أعلى للإسناد يأخذ دوره في إسناد الدولة والقانون».
ثم عقد مؤتمراً لبعض شيوخ عشيرة الجبور ذات الغالبية السنّية، أعلن فيه أن «العراق بلد عشائري، وجذور العشائر ممتدة فيه منذ القدم»، وأن النظام السابق حاول «طمس هذه الحقيقة» حيث إن العشائرية في ظلّه «تعرضت إلى انتهاك أصولها وثوابتها».
وكرّر في هذا المؤتمر التأكيد على دور العشائرية في الحكم إلى جانب المجتمع المدني الذي يُعَدُّ غائباً في العراق، مسبِّباً موجة انتقادات من العديد من العراقيين العاملين في الشأن العام، ممّن اتهموه بتسهيل نقل الحكم من تخلف إلى آخر.
وبحسب محللين سياسيين، فإن «الصحوات» لم تكن ظاهرة سياسية، بل أنشئت لاستغلالها أميركياً بشكل «اجتماعي ــ سياسي»، على خلفية هفوات ارتكبها تنظيم «القاعدة»، تمّ تضخيمها، لتشويه صورة المقاومة ككلّ والتضييق عليها.
وأدى بذخ المال الأميركي، والدعم السياسي اللوجستي من بعض الجهات السياسية، وخاصة «المؤتمر الوطني» و«الحزب الإسلامي»، الدور الأساسي في إنشاء وتقوية «الصحوات»، بينما قاومت الأحزاب الدينية الشيعية في الجنوب، ومنها «الدعوة»، تطبيق الفكرة في مناطقها، بذريعة أن «الوضع آمن ومستقر» في المحافظات الجنوبية.
لكن واشنطن، ومن ضمن مساعيها لإبرام الاتفاقية الطويلة الأمد مع حكّام بغداد، وبمساعدة من المالكي بالذات، تأكّدت في ما بعد من أن الوضع غير مستقر في الجنوب وفي مناطق بغداد ذات الغالبية الشيعية، فكانت الحملات العسكرية المتتالية التي جرّدت المالكي وحزبه من قاعدته الطائفية التي يستند إليها.
ويرى مراقبون أن المالكي خرج من المعارك خالي الوفاض، فيما كان «المجلس الإسلامي الأعلى» هو المستفيد الأكبر على الصعيد الطائفي، من أحداث كربلاء والبصرة والعمارة ومدينة الصدر، فيما تزايدت في الشارع العراقي الدعوات لنبذ الطائفية.
ويرى المراقبون أنفسهم أنّ الدعوات الأخيرة للمالكي لإنشاء مجالس الإسناد العشائرية، قد تكون ورقته الأخيرة في محاولة الاحتفاظ برصيده الشعبي والأميركي، إذ، بعدما زايد على أقرانه في ممارسة الطائفية، فهو يريد اليوم المراهنة على العصب العشائري للحفاظ على نفوذه.
ويبدو أنّ اعتراضات حكومة المالكي على «الصحوات» في بداية تأليفها، لم تكن من منطلقات فكرية أو أيديولوجية، على اعتبار أنّ التوجهات الطائفية والعشائرية هي «من مخلفات التاريخ»، بل من منطلقات مصلحية ذات علاقة مباشرة بالسيطرة على الوضع.
ومن هذه الخلفية، يمكن تفسير توجه رئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري، والمالكي من بعده، إلى الأطر العشائرية والمبادرة في تأليف «الصحوات» الجديدة، بينما يلتزم «المجلس الأعلى الإسلامي» الصمت في ما يفسّره البعض بأنه ارتياح لمجرى الأمور، حيث يتيح له ذلك التفرّد على «الساحة الشيعية»، بعد الضربات التي وجهت إلى غريمه الأساسي «التيار الصدري».
على أنّ التوجه «العشائري» للمالكي، لا يزال محاطاً بغموض الموقف الأميركي تجاهه، بعد ما سببته «الصحوات» من مشاكل، حيث كشفت هذه الميليشيات عن وجه دموي ووصل بها الأمر إلى حد انتقاد الأميركيين بسبب «عدم السماح بقتل المشتبه بهم»، والقيام بقتل المعتقلين الذين تطلق سراحهم قوات الاحتلال، والتنافس على النفوذ، وبوادر اندلاع النزاعات العشائرية عوضاً عن النزاعات الطائفية.