حسام كنفانيلم تكن الأيام الأولى للتهدئة في قطاع غزّة مدخلاً لانفراج الحوار الفلسطيني الداخلي، كما كان يتصوّر الكثير من المراقبين. بل يبدو أن التهدئة كانت مناسبة لعودة الوضع بين حركتي «حماس» و«فتح» إلى سابق عهد التوتّر الذي أعقب الأيام الأولى للحسم العسكري في قطاع غزّة قبل عام.
التصريحات النارية والمناكفات السياسيّة ما عاد لها تأثير في وضع الفصل القائم بين الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي ظل التهدئة، ظهر إلى العلن ما يمكن تسميته «المناكفة بالمقاومة» والمزايدة بالحرص على وحدة الشعب الفلسطيني في مواجهة الاعتداءات الإسرائيليّة اليوميّة في الضفة بعد غزّة.
«فتح» تدرك، من دون أدنى شك، مدى حاجة حركة «حماس» إلى اتفاق التهدئة لاعتبارات مرتبطة بترتيب وضعها الداخلي وإعادة الهدوء إلى قطاع غزة الذي تحكمه، وضمان حد أدنى من الاعتراف العربي والدولي بـ«شرعيّة» هذا الحكم والتصرّف على أساسه. هذه الفكرة تطرّق إليها باستفاضة أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عبد ربه، ليبني على أساسها موقفاً «حمساوياً» بتهميش الحوار الداخلي الفلسطيني. تحليل عبد ربه قد يكون حقيقيّاً، إلا أنه لا يؤدّي إلى خلاصة «لم نكن يوماً بعيدين عن المصالحة والحوار مثلما نحن الآن»، التي وصل إليها أمين سر منظمة التحرير، إلا إذا كان هناك مِن «فتح» مَن لا يريد للتهدئة أن تكون مؤسّساً للحوار، وعبد ربه بينهم.
مثل هذا الأمر قد يحمل تفسيراً لما شهدته الأيام الأولى للتهدئة؛ فرغم سعي «حماس» إلى تحقيق شبه إجماع على الاتفاق مع إسرائيل، عبر اجتماعات ماراتونية مع فصائل المقاومة الفاعلة في القطاع، بدءاً من حركة «الجهاد الإسلامي»، مروراً بلجان المقاومة الشعبية، وليس انتهاءً بالجبهتين الشعبية والديموقراطية، إلا أن أشكالاً من المقاومة بدأت بالظهور. مقاومة ظاهرها مواجهة إسرائيل وباطنها استهداف «حماس».
حتى إن منفذيها لم يخفوا هذا الاستهداف. فـ«كتائب شهداء الأقصى»، التابعة لحركة «فتح»، كانت مع كل إطلاق صاروخ تصدر بياناً تنتقد فيه موافقة «حماس» على فصل الضفة الغربية عن قطاع غزّة. بيانات ترافقت مع ظهور اتهامات «فتحاوية» بأن «حماس» تحوّلت، بحسب السفير الفلسطيني في مصر نبيل عمرو، إلى «مقاول أمن لإسرائيل»، وهو الدور الذي احترفته أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة، ولا تزال تؤديه بامتياز في الضفة الغربية.
صواريخ «كتائب الأقصى»، مترافقة مع تصريحات رموز السلطة الفلسطينية وحركة «فتح»، توحي أن هناك محاولة لوضع «حماس» أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أداء دور «حامي الاحتلال» والتساوي مع السلطة، أو التضحية بالتهدئة وفرص رفع الحصار عن القطاع.
«حماس» إلى اليوم لم تحسم خيارها، إلا أن بياناتها واعتقال المتحدث باسم «كتائب الأقصى» وإطلاقه، توحي أن الحركة لن تفرّط بالتهدئة بسهولة. والأيام المقبلة قد تشهد حالات اعتقال جديدة تتجاوز «الفتحاويين»، ولا سيما أن بوادر «خروج عن الإجماع» بدأت بالظهور لدى حركة «الجهاد الإسلامي»، التي بات عناصرها الهدف الأول للاغتيال والاعتقال في الضفة الغربية.