باريس ــ الأخبارمنذ انتخاب الرئيس نيكولا ساركوزي قبل عام وشهرين، تدور في رأسه فكرتان لا تفارقانه: رئاسة الاتحاد الأوروبي، وإنشاء الاتحاد من أجل المتوسط ليشارك برئاسته. ورغم أن الـ«لا الإيرلندية» لمعاهدة لشبونة جاءت لتعكّر صفو التحضيرات للرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي، إلا أنّ سيد الإليزيه حاول تجاهل أهمية هذا القرار «السيادي» كما يحب أن يسمّيه أكثر من سياسي أوروبي، خصوصاً في فرنسا، حيث لن تُعرَض تلك المعاهدة على الشعب للاستفتاء خوفاً من «لا فرنسية» تكرر ما حصل لجاك شيراك عام ٢٠٠٥.
إذاً، كان ساركوزي ينتظرها من الغرب، فجاءته من الشرق على شكل رفض الرئيس البولوني ليخ كازينسكي أمس توقيع المعاهدة الأوروبية رغم إقرار البرلمان لها في وارسو. وقد برّر كازينسكي رفضه بأنّ «رفض إيرلندا يجعل إقرارها عديم الجدوى».
ويتّفق المراقبون على أنّ الرفض البولوني في اليوم الأول لرئاسة ساركوزي للاتحاد، يمثّل «نكسة كبيرة له»، وخصوصاً أنّه كان قد صرّح عشيّة الأول من تموز، بأنه سوف يسعى إلى «حصر الرفض ضمن إطار إيرلندا» قبل تسوية الموضوع وإيجاد المخرج الملائم.
وبحسب مصادر فرنسية، سيتوجّه ساركوزي إلى دبلن في 11 تموز الجاري للبحث عن حل يتعامل مع مخاوف الناخبين الإيرلنديين ويتيح للحكومة الدعوة إلى استفتاء جديد في العام المقبل.
إلّا أنّ بعض المصادر الأوروبية أشارت إلى «امتعاض الدول الصغرى» من تجاهل فرنسا ــ ساركوزي وألمانيا ــ ميركل لرأي مواطنيها، مذكّرة بأنّ الرفض الفرنسي في عام ٢٠٠٥، أدى إلى إعادة تأطير الدستور في هيكلية أقلّ طموحاً لإرضاء الشعب الفرنسي. ويعيد البعض التذكير بأنّ ساركوزي يدرك أنّ «الممانعة لهذه المعاهدة موجودة بقوة في فرنسا»، وأن هذا السبب جعله يمرّرها في البرلمان عوضاً عن اللجوء إلى استفتاء شعبي.
وبحسب أكثر من مصدر، فإنّ توقعات الأوروبيين هي أن ترفض تشيكيا أيضاً المعاهدة، ما يزيد من عمق المأزق الذي ورّط ساركوزي وميركل الاتحاد فيه، بسبب استعجال إعادة طرح معاهدة لشبونة عبر إجراء ما سماه البعض «ريتوشات» عليها مع أنها رُفضت سابقاً.
وتتخوف الدول الأوروبية الصغيرة من «سابقة تجاوز رغبة دولة» (إيرلندا في هذه الحالة)، ما يجعلها تحت وطأة قبول قرارات تحدّ من سيادتها. وقد لمّح كازينسكي إلى هذا الأمر بقوله: «إذا كسرنا قاعدة الإجماع مرة واحدة، فهي تنتفي». ثمّ استطرد بأن الدول الصغيرة «لا تستطيع قبول مثل هذه الحلول» في إجابة صريحة ومباشرة لقول ساركوزي قبل أربع وعشرين ساعة وما صدر عن ألمانيا من تصريحات، تدعو إلى تجاوز رفض إيرلندا.
ويأتي الرفض البولوني ليدعو ساركوزي إلى اتباع نهج من سبقه في رئاسة الاتحاد، أي «البحث عن التوافق بين مصالح الدول الأعضاء»، وليس وضعها تحت الأمر الواقع كما حاول أن يفعل قبل تسلمه الرئاسة، أكان في موضوع الرفض الإيرلندي، أم في فكرة الاتحاد من أجل المتوسط التي أطلقها من دون استشاره شركائه، فسبّب ردّ ألمانيا السلبي الذي حتّم عليه التراجع والحدّ من طموحات الاتحاد المزمع إطلاقه بعد أسبوعين في باريس، إذا لم يأتِ من الجنوب ما يعاكس هذه الانطلاقة.
وفي شأن مشاريع ساركوزي في رئاسة الاتحاد للأشهر الستة المقبلة، فهو سبق أن أعلن أنه ينوي تفعيل النظام المؤسسي الجديد واستضافة قمة تتعلق باليورو.
وبالنسبة إلى دول أوروبية كثيرة، فإن تنسيق السياسات وتنظيم الاجتماعات الكثيرة التي ترافق رئاسة الاتحاد البالغ عدد أعضائه 27 دولة ما هي إلا مهمة روتينية إدارية. غير أن ساركوزي تعهّد أن يجعل من ولاية فرنسا «نموذجاً للعمل والفعالية».