معمر عطويلم يعد رئيس الوزراء الروسي، فلاديمير بوتين، في عيون كوادر الاتحاد السوفياتي السابق، مجرّد رجل ترك بصماته على تنمية الاقتصاد وعودة بلاده إلى الحلبة السياسية الدولية. بل يصحّ القول إنه أعاد مؤسسات الاتحاد السوفياتي الأمنية والعسكريّة والسياسيّة إلى مجدها. وجهة النظر هذه يتبنّاها المحلّل الاستراتيجي في «المركز الدولي للسياسة العادلة» في موسكو، ألكسي نوفوتوشينوف، الحريص على بقاء الدور الجيو ــــ استراتيجي لروسيا الاتحاديّة. ويشدّد نوفوتوشينوف، في حديث لـ«الأخبار»، على أن «الجيش الأحمر كمؤسسة حامية للجمهوريّة لا يزال قائماً، وإن من حيث المضمون»، مشيراً إلى دور المؤسسات الأمنية والدفاعيّة في تحريك الواقع السياسي من خلف الكواليس.
نوفوتوشينوف، المُستعرب المتخصّص بالإسلام، ينظر بتفاؤل إلى الدور المستقبلي لموسكو في ظل ما أرساه بوتين من إصلاحات، مشدداً على أن سبب نجاح بوتين أنه ليس وحده «وراءه شعب تعب من (سياسة الشفافيّة) البريستوريكا التي خلّفت خسائر ضخمة مادية ومعنويّة للروس».
ويرى الخبير الروسي أن سبب نجاح رئيس الوزراء الحالي، هو تاريخه كضابط سوفياتي خدم في ألمانيا الشرقيّة، ما جعله يتعرّف إلى الثقافة والمجتمع هناك من الداخل، «لذلك هو شخص وسيط بالتفاهم، يتفهّم العادات في أوروبا ويعرفها ويدركها». ويصف العمل الذي قام به بوتين بأنه «نهضوي، أعطى الثقة لكل عنصر أو شخص في أي مؤسسة بعودة روسيا إلى مجدها وموقعها الدولي»، مشيراً إلى أن «دولة عظمى مثل روسيا لا تستطيع أن تنتظر كثيراً حتى تعيد نهضتها، وهذا ما جعلها تعلّق آمالها على بوتين».
ويضيف نوفوتوشينوف أن بوتين «وصل إلى مرحلة أصبح فيها مثالاً للسعي لرسم خطة لتنفيذ القرارات. لأنه يُقرّر المراسيم ويتابعها على الأرض من خلال جهاز متكامل». هذه السياسة أعطت مصداقيّة للرئيس الحالي، ديمتري ميدفيديف، «الذي بلا شك يسير على الخط نفسه»، مشيراً إلى أن الحديث عن إمكان انقلاب الرئيس الجديد على سلفه تكهّنات لا أساس لها.
ثمة مشكلات استراتيجيّة تواجه روسيا، يشير إليها المحلل الاستراتيجي، أبرزها الآن، «ميناء سيفاستوبل (الأوكراني) في البحر الأسود، والذي ضُمّ أيام الرئيس نيكيتا خروتشوف في الستينيات إلى روسيا ليكون مركز الأسطول الحربي الأحمر. لذلك وجود ميناء سيفاستوبل تحت الوصاية الروسية بالتحديد، يمثّل خطراً. إذ إن مجرد دخول أوكرانيا في حلف الأطلسي سيؤسس لحروب في قلب أوكرانيا ولتقسيمها، ثم تمتد إلى المنطقة»، موضحاً أن هذه التطورات «ستجعل الأسطول الروسي محاصراً». لذلك يشدّد نوفوتوشينوف على أن دخول أوكرانيا في الأطلسي غير مقبول روسيّاً.
وثمة خطر آخر يواجه روسيا يتمثل بضربة محتملة لإيران، يرى نوفوتوشينوف أن «أي ضربة ستكون صفعة في وجه بوتين»، لكنه يتوقّع ضربات لبعض الأهداف الإيرانيّة من البحر أو من الجوّ، «غير أن الاجتياح البرّي غير وارد بأي شكل». أمّا سبب هذا التفاؤل «فلأن إسرائيل لم تعد تلك الدولة القادرة على حماية نفسها كما كانت من قبل، بعد فشلها الذريع في لبنان والنصر الحاسم الذي حقّقه حزب الله».
يتحدث نوفوتوشينوف عن تسوية محتملة قد تسبقها حرب في المنطقة، لكن «الفهم المعاصر للحرب المعاصرة هي ليست إلا تنفيذاً لمخططات سريّة أو مكشوفة. هناك علاقات مباشرة بين الأجهزة الأمنية الخاصّة، وصولاً إلى حلول مشتركة من أجل ألا يتّخذ أي أحد على غرار الرئيس الأميركي المجنون جورج بوش قراراً متهوّراً»، مشيراً إلى أن «الأميركيين لا يسعون إلى النفط والغاز بقدر ما يسعون إلى اليورانيوم».