طوكيو ــ بسّام الطيارةحتى فترة وجيزة سابقة، كانت اليابان، بغياب أي قوة عسكرية لها، وفي ظل قوتها الاقتصادية، ترى الدبلوماسية عبر مجهر المساعدات المالية، وسميت دبلوماسيتها آنذاك «دفتر الشيكات». كانت البراغماتية تكفي للمرور بين نقاط الأزمات. ويتذكر أحد الدبلوماسين الغربيين في طوكيو أنه حين غزا الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الكويت وهولت الأخبار باحتمال وصوله إلى حقول النفط في السعودية، جاء على لسان مسؤولين يابانيين يومها أن «اليابان تشتري النفط ممن يصدِّره، سعوديّاً كان أو عراقيّاً أو أميركيّاً».
أما الآن فلا يكفي الدفع، على ما يبدو، للحصول على موقع، وخصوصاً أن اليابان «تسعى للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن». وقد عبّر رئيس الوزراء، ياسو فوكودا، عن هذا التوجه بقوله الاثنين الماضي إن اليابان «سترسل مسؤولين عسكريين ضمن بعثات حفظ السلام في أفريقيا». وقد جاء حديثه مباشرة عقب لقاء مع الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، في طوكيو. وقال إن اليابان سترسل «أعضاءً من قوات الدفاع إلى السودان». واستطرد بأن لليابان الآن قواتاً أيضاً تساعد في تعزيز عملية حفظ السلام في أفريقيا الوسطى.
ويرى مراقبون في طوكيو أن اليابان لا تسعى فقط إلى ظهورها قوة كبرى «تستحق مقعداً في مجلس الأمن»، بل هي تطمح بقوة لمنافسة الدول الكبرى وتعزيز دورها في قلب القارة السمراء الغنية بالموارد الأولية، وهي تفعل هذا بينما تراقب تصاعد نفوذ وقوة وجود الصين في القارة الأفريقية.
ويأتي هذا الإعلان بعد أقل من أسبوعين من قرار الحكومة تمديد فترة عمل قواتها الجوية في العراق حتى تموز ٢٠٠٩ في مهمة تزويد الوقود في المحيط الهندي. وقد بررت الحكومة هذا القرار بالحاجة لتوفير مساعدة مستمرة لإعادة إعمار العراق ودعم جهود مكافحة الإرهاب في أفغانستان.
ورغم أن الدستور يقيد بشدة المشاركة في أنشطة عسكرية خارج الأرخبيل الياباني ويحظر تسوية الخلافات والنزاعات الدولية بالقوة، فإن رغبة اليابان بالخروج من قوقعتها دفعتها عام ١٩٩٢ لتغيير المادة التاسعة من دستورها الذي وضعه الأميركيون عقب
انتصارهم.
أولى مشاركاتها الخفيفة كانت في الجولان، حيث أرسلت ٣٠ عسكرياً ضمن قوات حفظ وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل. بعد ذلك شاركت في إطار سلطة الأمم المتحدة المؤقتة في كامبوديا بين عامي ١٩٩٢ و١٩٩٣ فترأسها ياباني وأرسلت ١٦ عسكرياً و٧٥ شرطياً و٤١ مراقباً مدنياً للانتخابات ونحو ٦٠٠ مهندس مدني، وكان ذلك مباشرة عقب حرب الخليج الأولى التي واجهت خلالها انتقادات جمة من حليفتها الولايات المتحدة، رغم أنها كانت أكبر مسهم في «مجهود الحرب» ودفعت ١٣ مليار دولار لتحرير الكويت.
الوضع بدأ يتغير، واليابان مشاركة قوية في «مجهود المجتمع الدولي»، فقد ذكر مسؤولون في وزارة الدفاع اليابانية أن قوات الدفاع الجوي اليابانية تقوم بمهمة نقل الجنود والمعدات للأمم المتحدة والقوات الدولية المتعددة الجنسيات بين العراق والكويت، وقد نقلت ٥٩٧ طناً من المعدات في ما يزيد على٧٠٠ جولة ومهمة جوية مختلفة منذ بدء عملها في آذار ٢٠٠٤.
وقال الأمين العام لمجلس الوزراء، نوبوتوكا ماشيمورا، في مؤتمر صحافي عقب تمديد عمل هذه القوات: «إن الوضع في العراق يتحسن تدريجاً». واستطرد بأن قرار التمديد للقوات جاء «لاعتقادنا بوجود حاجة لمزيد من انخراط القوات الدولية في نشاطات الإعمار».
ورداً على سؤال عما يؤول إليه وضع القوات اليابانية في حال انتهاء «مهمة تفويض الأمم المتحدة» في نهاية العام الجاري، قال: «قد يصدر تفويض جديد». واستدرك بـ«أنه تبسيط للأمور القول إن المهمة انتهت لأن ولاية قرار الأمم المتحدة تنتهي في نهاية العام».