بالنسبة إلى السواد الأعظم من العراقيّين، باتت العواصف الرملية تبريراً يثير السخرية لتأخير تسلّم القوات العراقية أمن المحافظات من الاحتلال. البعض يربط السبب الحقيقي بأنه «إذا سُلِّم أمن المحافظات، تنتفي الحاجة للاتفاقيّة مع واشنطن»، والبعض الآخر يعيد الأمر إلى الفساد المستشري داخل الأجهزة الأمنيّة الحكوميّة
بغداد ــ زيد الزبيدي

قبل أيّام، وبعد تحضيرات واستعدادات استمرّت أشهراً، وإعداد منصات الاحتفال لتسليم وتسلّم الملف الأمني من قوات الاحتلال إلى القوات العراقية في محافظة الأنبار، أُعلن من دون سابق إنذار، تأجيل الحدث «حتى إشعار آخر». وتمّ تحميل «رداءة الأحوال الجويّة» مسؤولية التأجيل في ما رآه البعض «مسرحية» غير مقنعة،بعد تكرار السيناريو نفسه بعد يوم واحد في محافظة الديوانية.
وبحسب المراقبين، فإنّ «تمثيليّة» تسلّم الملف الأمني «لا تعدو كونها عملية إعلامية»، حيث تبقى الصلاحيات بيد قوات الاحتلال، التي نفّذت مثلاً عملية مفاجئة في كربلاء أدت إلى مقتل أحد أقرباء رئيس الوزراء نوري المالكي، من دون إبلاغ السلطات العراقية حتّى، وبعد فترة طويلة من تسليم الأمن في المحافظة لحكومة بغداد.
وربّما لم يتنبّه المالكي، الذي احتجّ على العملية في كربلاء، إلى أنّ القوات البريطانية سلّمت الملف الأمني في محافظة البصرة قبل أكثر من نصف عام، إلا أنها ظلّت المسؤولة الميدانية مع القوات الأميركية في الحملة الأمنية التي جرت في المدينة تحت اسم «صولة الفرسان».
وخلال العملية، تبيّن أنّ تسليم الملف الأمني كان مقتصراً على إعطاء القوات العراقية بعض القصور الرئاسية التي تعود لصدّام حسين، والتي حاصر «جيش المهدي» المالكي في أحدها خلال أولى أيام «الصولة» قبل أن تنقذه قوات الاحتلال.
آنذاك، أشار المالكي إلى أنّ «البصرة مرتهنة بيد عصابات»، من دون أن يشير إلى أنّ حكومته سبق أن «تسلّمت الملف الأمني» من الاحتلال، ما يعزز القول إنّ التسليم شكلي وغير مرتبط بأي ظروف ميدانية على أرض الواقع.
وزادت الفوضى الموجودة في صفوف الجيش العراقي من التساؤلات عن حقيقة تسليم المحافظات أمنياً إلى الوحدات العراقية، إذ يتبيّن يومياً أنّ ولاء عناصر هذا الجيش للحكومة مشكوك بأمره، كما حصل في حملة البصرة التي أبعد فيها أكثر من 1000 جندي وضابط من الجيش بسبب «تعاونهم مع الميليشيات».
حادثة أخرى ذات دلالة حصلت عند تسليم الملف الأمني في تكريت، عندما اختفت موجودات القصور الرئاسية، حتى إن بعض الأبواب والشبابيك اقتلعت ونهبت!
وقد أدى «عدم الانضباط» هذا، إلى إبقاء الإشراف الأمني والإدارة الأمنية في المحافظة بيد القوات الأميركية حتى الآن، من دون فتح أي تحقيق بالسرقات.
وكان محافظ الأنبار، مأمون العلواني، قد أعلن في وقت سابق أمس أنه لا سقف زمنياً محدداً للتأجيل، رابطاً إعادة تسليم المحافظة بـ«الانتهاء من التصحيحات في بنود اتفاقية التسليم ما بين الجانبين العراقي والأميركي»، التي كان من المفترض أن تكون منتهية.
وهذا هو التأجيل الثاني لتسلم الملف الأمني في الأنبار خلال أيام قليلة، إذ سبق أن أُرجئ التسليم التسلم في الثامن والعشرين من الشهر الماضي، وقيل في حينه إنّ العواصف الرملية هي العائق.
وفي تعليق للتحالف الكردستاني على المسألة، أكد النائب محمود عثمان أن «المناخ والعواصف الترابية ليست السبب في تأجيل تسليم الملف الأمني لمحافظتي الأنبار والديوانية». وأضاف: «أعتقد أن الجانب الأميركي متخوف في ما يخص تسليم الملف الأمني في الأنبار بعد الانفجار الكبير الذي حصل في الكرمة. كذلك، فإن الوضع الأمني في الديوانية غير مستقر، وخصوصاً أن الأميركيين يدّعون أنّ هناك ميليشيات و تدخلات إيرانية بصورة مباشرة في بعض محافظات العراق».
ورأى عثمان أنّ الترويج الإعلامي للملف الأمني قد يكون له مردود سلبي في الوقت الحالي، بالنسبة إلى الاتفاقية الأمنية الطويلة الأمد المزمع عقدها بين واشنطن وبغداد، موضحاً أنّه «إذا سُلِّم أمن المحافظات إلى الجانب العراقي، فسيكون هناك ميل لعدم عقد الاتفاقية الأمنية، والقول إنّه لا حاجة لها. أما في الجانب السياسي، فإنّ البلدين مقبلان على انتخابات، حيث العراق مقبل على انتخابات محلية، وأميركا مقبلة على انتخابات الرئاسة».