باريس ــ الأخباريبدو أنّ العدّ العكسي لدولاب حظّ الرئيس نيكولا ساركوزي قد بدأ. لا يمرّ يوم إلا ويأتي حدث يعاكس رغباته ويحرجه ويشوّش على الصورة التواصلية التي يرغب ببنائها.
حتى «الحدث الوطني» الذي مثّله إطلاق سراح إنغريد بيتانكور والفرحة التي عمّت فرنسا، اتّخذا شكلاً عكّر مزاج الرئيس.
فقد شدّدت بعض الصحف على أن «الفضل» في تحرير بيتانكور يعود إلى الرئيس الكولومبي ألفارو أوريبي حصراً، وإلى طريقته المتشددة وتفضيله «القوة» عوضاً عن البحث عن التفاوض. بالإضافة إلى ذلك، جاءت الكلمات البسيطة التي وجّهتها الرهينة السابقة في أول حديث لها، موجّهة إلى كلّ من الرئيس السابق جاك شيراك وورئيس حكومته دومينيك دو فيلبان!
وأتى الحدث من كولومبيا غداة تراجع الحكومة أمام ضغط النواب، بمن فيهم الأكثرية اليمينية، عن مشروع قانون يحتم تنظيم استفتاء شعبي لقبول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما رأى فيه البعض «نوعاً من العنصرية». وطالب المعترضون بالعودة إلى اقتراح قانون ٢٠٠٥ الذي وضعه شيراك والذي يساوي بين كل الدول التي تودّ الانضمام إلى الاتحاد من دون تمييز.
ولكن مناكفة الحظ لا تأتي فقط من السياسة الخارجية. فعلى الصعيد الداخلي، حدثان بدآ يتفاعلان، ويمكن أن يتركا انعكاسات كبيرة على شعبية ساركوزي المنهارة أصلاً: أولاً التطورات داخل قنوات التلفزيون العامة. فهذه القنوات رأت أنّ ساركوزي، بقراره الأخير منع الإعلانات عنها، يقدّم «هدايا لأصدقائه» أصحاب القنوات الخاصة، وفي طليعتهم مارتان بويغ «الذي يصفه على أنه أخيه»، وهو صاحب القناة الأولى «الشعبية». كذلك فانسان بولوريه الذي أعاره يخته بعد وصوله إلى الإليزيه ليقضي عليه «شهر العسل»، وهو أحد أباطرة الإعلام الخاص.
والواقع أنّ منع الإعلانات عن القناة الثانية والثالثة بفروعها المختلفة، يمثّل «هدية للتلفزيونات الخاصّة قدّرتها الصحافة بـ٤٠٠ مليون يورو سنوياً» على أقل تقدير. بكلام آخر، فإنّ مقدار ما سوف تخسره وسائل الإعلام العامّة، ستربحه في المقابل وسائل خاصة، بينما تُعوَّض القنوات الرسمية بمساهمة من خزينة الدولة، أي من جيوب دافعي الضرائب. ووصل الأمر برئيس مجلس إدارة الشركات الرسمية باتريك دو كاروليس إلى وصف اقتراح ساركوزي بـ«الساذج» في مقابلة مباشرة.
ويضع هذا الفصل من النزاع، المواطن الفرنسي إلى جانب رجال الإعلام الرسمي، الذي أثبت جدارته باستقلاليته منذ عهد شارل ديغول. ورغم تغير الحكم وتقلبه من يمين إلى يسار، والعكس بالعكس، إلا أنه ظلّ «غير مرتبط بأي رأسمال»، من نواحي الشفافية والحياد ودفع القنوات الأخرى إلى ملاقاته في هذا التوجه المهني.
وأخيراً، وقع خبر استقالة رئيس أركان الجيش، الجنرال برونو كوش، كالصاعق فوق رأس ساركوزي. حتى إن صحيفة «لو فيغارو» المقربة من حزبه لم تتردّد من عنونة مقالها في هذا الصدد «استقالة كوش تزيد من قلق الجيش»، بينما كتبت «لو موند» على صفحتها الأولى: «الجيش يرى أن ساركوزي يسيء معاملته».
وفي السياق، تذكر أكثر من صحيفة أنّ كوش كان أول من انتقد «إفقار الجيش»، واحتجّ على الإصلاحات التي يريد الرئيس إدخالها على بنيته. ورغم أنّ كوش برّر استقالته بإطلاق نيران في إحدى الثكنات العسكرية، إلا أنّ أكثر من مصدر يقول إنّ «الكلمات القاسية التي وجهها ساركوزي للجيش لا يتحملها أي جنرال جدير بهذا الاسم». ويشير آخرون إلى أن القاعدة العسكرية لا تنظر بعين الرضى إلى «الكتاب الأبيض» الذي أطلقه ساركوزي لخفض عدد الجنود بنحو ٥٤ ألفاً، ووقف إطلاق غوّاصة نووية ثانية وخفض ميزانية الجيش، وخصوصاً العودة إلى قيادة الحلف الأطلسي.