طوكيو ــ بسّام الطيارةقبل ثلاثة أيام من افتتاح قمة رؤساء دول وحكومات البلدان الصناعية لمجموعة الثماني التي تنظمها اليابان في منطقة بحيرة تويا في شمال البلاد من ٧ إلى ٩ تموز الجاري، أعلنت حكومة ياسو فوكودا أنها ستقدم مساعدة إضافية قيمتها ٥٠ مليون دولار خلال الأشهر الثلاثة المقبلة لدعم البلدان النامية في مواجهة الأزمة الغذائية العالمية. وتُضاف هذه الأرقام إلى ما سبق أن وعدت طوكيو بتقديمه من مساعدات بلغت قيمتها ٢٠٠ مليون دولار منذ بداية الأزمة، مبرّرة ذلك بأنّ الوضع «ما زال يتسم بالخطورة».
وصرح أكثر من مسؤول ياباني بأنّ مشكلة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، هي واحدة من المواضيع البالغة الأهمية التي ستعالج في القمة. وعلمت «الأخبار» أنّ مجموعة الخبراء الذين يعملون لتحضير ملفات القمة، أوصوا بإنشاء «مجموعة عمل» (Task force) لمعالجة أزمة الغذاء.
ومن الحتميّ أن تبحث هذه المجموعة في أطر عمل تصدير المواد الغذائية واستيرادها، بما أنّ الأزمة باتت تعرقل «إعادة توزيع الاحتياطي الغذائي»، وتمنع بعض الدول من إعادة تصدير ما تكون قد استوردته، وإفادة الدول المحتاجة والقادرة على الشراء، ما يمكن أن يخفّف من التوتر الحاصل على بعض السلع مثل القمح والأرزّ.
وبعض هذه القيود تمنع دول ثرية مثل اليابان من إعادة تصدير مخزونات ضخمة من الأرز المستورد أصلاً بناءً على مطالب منظمة الغذاء العالمي.
كما علمت «الأخبار» أنّ من الملفات التي يمكن أن تتناولها القمة أيضاً، «ضبط دفق المهاجرين» من الدول الفقيرة نحو الدول الغنية، وهو ما تراه بعض الدول «مرتبطاً ارتباطاً مباشراً بملف نقص الغذاء في العالم».
والحديث عن الهجرة والمهاجرين يأخذ من فترة وجيزة في اليابان منعطفاً جديداً يبتعد قليلاً عن «التعامل الفوقي» الذي كان يميز الحديث عن «مهاجري حديقة أوينو»، وهو التعبير الذي كان يطلق في مطلع الثمانينيات على المهاجرين المسلمين الآتين خصوصاً من إيران عند اندلاع الثورة الإسلامية. وقد بقي هذا التعبير عالقاً في مخيلة اليابانيين ومرادفاً لـ«انعدام الأمن وخطر الغايجين» (الأجانب).
وسبب التغيير يعود إلى أسباب عديدة «لا علاقة لـ ١١ أيلول بها» كما يقول أكثر من مهتم في الشأن الإنساني، ويرتبط بالتقدم الاقتصادي والصناعي الذي طرأ على دول كان «ينظر إليها كأنها متخلفة» في السابق، وباتت الآن «تزاحم اليابان على الأسواق العالمية».
وأهم مثال على تلك الدول، الصين. ويُضاف إلى ذلك «وزن المنظمات الإنسانية» التي لا تتردّد من التشهير بالحكومة اليابانية عند كل «خروج عن الخط الأصفر» كما تقول العاملة في إحدى جمعيات مساعدة أولاد المهاجرين، توموقو سن.
وتفسّر توموقو هذا التطور بالخوف «على صورة اليابان»، وخصوصاً أنّ «الجيل الشاب من اليابانيين» يود عكس صورة إيجابية «متطورة ليابان منفتحة» ليحارب الصورة السلبية التي تركها جيل الحرب، وهو ما يدفع الحكومات اليابانية المتعاقبة منذ عشر سنوات تقريباً إلى محاولة تحسين ظروف المهاجرين العاملين في اليابان.
وكشفت بعض الدراسات التي أجرتها بعض الجمعيات أن ٩٨ في المئة من المهاجرين هم آسيويون «بالمعنى العرقي»، وهكذا أظهرت هذه الدراسة أنّ تلاميذ مدرسة في ضواحي أوساكا البالغ عددهم ٢٠٠، بينهم فقط ١٠٨ يابانيين، بينما عدد الفيتناميين هو ٦١ والصينيين ٦١ والكامبوديين ٨. وتقاسم القسم الأخير أعداداً أقل من لاوس والبيرو والفيليبين وتايلاند والبنغال والهند وباكستان.
وبدأت الدولة اليابانية تأمين ظروف خاصة لتعليم اللغة اليابانية بشكل مكثف للمهاجرين، وخصوصاً الذين لهم أولاد في المدارس، لتسهيل «انخراطهم في المجتمع الياباني». كما بدأت بتطبيق شروط خاصة لتسهيل قبول الأطفال الأجانب في المدارس الرسمية.
وتعليقاً على هذه الدراسات، يرى أحد الخبراء أنّ اليابان «بدأت تتشابه مع الدول الغربية من حيث النمط الاجتماعي الديموغرافي»، فعدد سكانها يتراجع سنوياً، وأعمار مسنّيها في تزايد، ما يحتّم إيجاد يد عاملة تسهم بدفع العجلة الاقتصادية من جهة، ولكن تسهم أيضاً «بضخ دم جديد» في المجتمع الياباني المنغلق سابقاً على مفهوم عرقي بحت.
العولمة الاقتصادية التي كانت اليابان أحد أبرز المؤهّلين لها، عادت ترتدّ اليوم عبر «هجرة معولمة» تحاول الحكومات المتعاقبة، دراسة أفضل السبل لجعلها «مكسباً لليابان» من طريق «صهر هذه الجموع في مجتمع ياباني حديث».
حتى الآن، ما زال الأمر متعلقاً بهجرات «آسيوية» آتية من بلاد كانت تسيطر عليها واستعمرتها الإمبراطورية اليابانية. غير أنّ السؤال يبقى: ماذا ستفعل اليابان حين تبدأ موجات الهجرة الأفريقية أو من بلاد الساحل؟