strong>انضمّ القضاة العراقيّون في الأشهر الأخيرة إلى لائحة الصحافيّين والأطباء والكفاءات العلمية والعسكريّين السابقين، المستهدفين في حملات التصفية، بعد عمليات استهدفت عدداً من كبار القضاة. ويبدو أن أسباب الحملة عليهم تكمن في الحملات الأمنية الأخيرة التي يوفرون غطاءها القانوني عبر إصدارهم مذكرات الاعتقالات
بغداد ــ زيد الزبيدي
طوال فترة ما بعد الاحتلال، كان القضاة هم الأكثر بعداً نسبياً عن حملات التصفية الجسدية التي طالت الكوادر العراقية عقب الغزو. لكن يبدو أن الحملات الأمنية الأخيرة أعادت إدخالهم إلى دائرة الاستهداف الأمني، في حملة ظهرت كأنها منظّمة، وبلغت ذروتها في السادس والعشرين من الشهر الماضي، حيث استُهدِف أربعة قضاة في يوم واحد في تفجير عبوات ناسفة.
وفي اليوم المذكور، نجا قاضيَان يعمل أحدهما في محكمة البداية في الرصافة، والآخر في مدينة الصدر، من انفجاري عبوتين ناسفتين استهدفتا سيارة الأوّل ومنزل الثاني.
وفي اليوم نفسه، استُهدِف قاضيان آخران بانفجارين أمام منزليهما، لم يؤديا إلا إلى أضرار مادية، هما القاضي علاء حسين صالح في منطقة الغدير في بغداد، والقاضي علي العلاف في شارع فلسطين.
كذلك نجا قاضي التحقيق في أبي غريب في بغداد، قاسم علي مطر، بأعجوبة في أيار الماضي، من محاولة اغتيال تعرض لها بانفجار عبوة لاصقة وضعت في سيارته، ما أدى إلى إصابته بجروح.
وتعرّض عدد من أقارب القضاة للخطف والقتل، كما حصل عندما اختطف مسلحون مجهولون شقيقة القاضي فاضل حسن، الذي يعمل في محكمة الحلة.
ولولا عملية اغتيال رئيس منطقة استئناف بغداد، كامل عبد المجيد الشويلي، قبل أيام، لصحّ القول إنّ عمليات السادس والعشرين من الشهر الماضي كان هدفها تحذير القضاة وتخويفهم، لأنها لم تؤدِّ إلى مقتل أحد منهم.
وقُتل الشويلي عندما اعترضت سيارته مجموعة مسلّحة في طريق عودته إلى منزله، في منطقة القناة شرق بغداد، وأطلقت عليه النار، ما أدى إلى مقتله فوراً، الأمر الذي يشير إلى أن نية العمليّة كانت قتله، وأنها لم تكن حادثاً عرضياً ولا مجرّد تهديداً.
ويعتقد مراقبون أن هناك جماعات مسلحة بدأت تدرك أهمية دور القضاة في إطلاق يد القوات الأمنية في حملات اعتقال المئات من عناصرها، عبر إصدار الأوامر القضائية التي لا تقبل التأويل أو الدحض، في ظل اتهامات للقضاء العراقي بأنه غير مستقل وينحاز لأطراف سياسية.
ووصل الأمر إلى حدّ أن أحد المراجع الدينيين الكبار، وهو الشيخ محمد اليعقوبي، عبّر عن فقدان ثقته وثقة الشعب بقدرة الأجهزة القضائية والرقابية على مكافحة الفساد الناخر في كيان الدولة، بسبب عدم استقلالية الأجهزة القضائية.
وقال اليعقوبي صراحة، لدى استقباله رئيس هيئة الادعاء العام في المحكمة الجنائية العليا، جعفر الموسوي، إن الأجهزة القضائية «واقعة في قبضة الحكومة والأحزاب المهيمنة على السلطة، وهي مضطرة للانسياق وراء رغبات السلطة التنفيذية وقراراتها». وذكر أنّه «بمجرّد أن يلوّح أحد (القضاة) من هيئة النزاهة أو المفتشين العموميين أو أي سلطة رقابة أو محاسبة أو تفتيش بقضية مرتبطة بالفساد، فإنّه يُعزَل ويهان، إن لم تجرِ تصفيته».
وأشار اليعقوبي إلى أن «الوضع المحرج لقضاة محكمة الجنايات الكبرى هو بسبب أداء السياسيين والقادة العسكريين، وهم يشاهدونهم يرتكبون أفعال الجناة الموجودين في قفص الاتهام نفسها، كالاعتقال العشوائي وتصفية المعارضين السياسيين وهدر أو سرقة المال العام وانتهاك حقوق الإنسان وتخريب مؤسسات الدولة واستباحة المدن وقتل الأبرياء الآمنين». وأضاف: «لذا أصبح العمل في هذه المحكمة لا يشرّف أحداً، لأن عليه أن يعمل بازدواجية وهذه خيانة لشرف المهنة».
لكن الحكومة حتى الآن لم تقترب من محاولة معالجة الملفّ، حيث جدّدت أخيراً، على لسان المتحدّث باسمها علي الدبّاغ، ثقتها بالسلطة القضائية التي رأت أنها «تتحمل المسؤولية الكبرى من أجل الدفاع عن سيادة القانون وتطبيق مبادئ العدالة وبناء سلطة قضائية نزيهة وعادلة».