«نسعى لأن يتحدّث العرب مع الإسرائيليّين من منطلق التعاون الإقليمي»
أرنست خوريصحافيّون لا يرون «سوى النصف الفارغ من الكأس»، على حدّ تعبير باران ولا يتنبّهون للنصف الملآن. إذاً، فهذا النصف الفارغ موجود. انتظر الدبلوماسيّان سماع أسئلة عن بنية الاتحاد والفارق بينه وبين «مسار برشلونة» (1995) الذي أرسى آليّة «فاشلة» باعترافهما للتعاون الأورو ــ متوسّطي، فأتتهم الاستفسارات مركّزة على ما إذا كان الاتحاد المتوسّطي سيكون مكاناً لممارسة الضغوط على العرب لتوقيع اتفاقات سلام مع إسرائيل أو تطبيع العلاقات معها.
أُحرجا لأنّ الحضور كان يكرّر الأسئلة ليحاول الاقتناع بـ«براءة» المشروع: لماذا غاب الموضوع منذ 1995 واستفاق اليوم مع تقدّم المفاوضات السورية ــ الإسرائيليّة؟ ألن يكون مصيره مشابهاً لما سبقه من محاولات متوسّطيّة؟ هل منسوب تسييس المشروع نقطة ضعف أم قوّة في رصيده؟
عدد من الأسئلة أجبرت باران على الاعتراف في النهاية بأنّ الأوروبيين المتوسطيّين يحاولون «تصحيح خطئنا في التعاطي السابق غير المتوازن مع دول الجنوب المتوسّطي». اعتراف صريح لا يضاهيه سوى تأكيد الدبلوماسي نفسه على أنّ هذا التعاون المطلوب أن يحقّقه الاتحاد «لا ينطلق من عمل خيري». ما هو المطلوب إذاً؟ الجواب في آن واحد، بسيط وواقعي ومصلحي: «من مصلحتنا أن نتعاون مع الجنوب اقتصادياً وديموقراطياً وسياسياً لخلق منطقة سلام وازدهار في هذه البقعة المجاورة لنا من العالم».
الحماوة بين الدبلوماسيَّين من جهة، والصحافيين من ناحية أخرى، تخلّلتها بعض لحظات من عدم الاتفاق بين الرجلين: ففيما رأى لوران أنّ «الاتحاد هو الطاولة الوحيدة التي يجلس حولها العرب والإسرائيليّون ليتحدّثوا بعضهم إلى بعض»، مشيراً إلى أنّ «أحد أهم إنتاجات قمّة باريس هو ما سينتج من اجتماع الرئيسين بشّار الأسد وميشال سليمان»، أبدى باران حماسة أقلّ، إذ إنّه، رغم اتفاقه مع زميله على أنّ هذه «مناسبة جيدة إذا اجتمعا»، لم يؤكّد أن اللقاء سيتمّ، موضحاً أنه ممكن «إذا رغبا بذلك بما أنهما سيكونان في المكان نفسه لكن هذا ليس الهدف من الاتحاد».
وعن إمكان أن يلتقي الأسد رئيس وزراء إسرائيل، ايهود أولمرت، رأى باران أنّ ذلك ممكن أيضاً أن يحصل «بما أنّهما سيكونان في المكان نفسه»، مطالباً الصحافيين بالتوجّه إلى الرجلين بالسؤال!
وأصرّ السفير لوران على محاولة تقديم أكبر قدر ممكن من المعلومات عن الاتحاد، رغم أنّه نسي وزميله كم ستدوم مدّة رئاسة الاتحاد من الجانب الجنوبي... هما يعتقدان أنها عامان!
واعترف لوران مجدداً بأنّ تجربة «مسار برشلونة» فشلت لسببين: أولاً لأن البنى الدولتية للدول الأعضاء كانت «ضعيفة للغاية»، وثانياً لأن الرغبة السياسية «لم تكن دائماً موجودة» على خلفيّة عرقلة مفاوضات السلام مع الجانب الإسرائيلي.
العامل الأوّل لا يزال على ما هو عليه، حتّى إن لبنان «لم يتقدّم للأسف في مجال بناء دولة القانون». غير أن الرغبة السياسية هذه المرّة «كبيرة للغاية» وتتجسّد بأنّ الاتحاد المتوسطي سيكون بقيادة رؤساء الدول الـ44 الأعضاء، بينما في «برشلونة» كان الموضوع بين أيدي وزراء الخارجيّة. رؤساء سيعقدون قمتهم مرة كل سنتين، بينما وزراء خارجياتهم سيجتمعون سنوياً. وأحد أهم العوامل التي ينطلق منها لوران وباران ليعربا عن تفاؤلهما بوجود رغبة سياسيّة لدى دول جنوب المتوسّط، هو «تقدّم المفاوضات بين إسرائيل وسوريا». مفاوضات كرّر الرجلان أكثر من مرة مدى رغبة أوروبا بأن تتحول إلى «مباشرة لا بل حتّى إلى اتفاق سلامأما الفارق الرئيسي بالنسبة إلى باران بين «مسار برشلونة» والاتحاد المتوسّطي فهو أنه في «برشلونة كان هناك شعور لدى الجنوب بأن كل شيء مقرَّر في الشمال وليس لديهم مجال حتى لإبداء الرأي، أما اليوم فسيكون كل شيء بالمشاركة والتعاون والتساوي في اتخاذ القرار وتحمّل المسؤولية».
وردّاً على سؤال لـ«الأخبار»، أكّد باران أنّ عرض وزير خارجيّة ايطاليا فرانكو فراتيني بتوسّط بلاده بين إسرائيل ولبنان، هو بصفة إيطاليّة وطنية «يلزم الاتحاد الأوروبي لكنه لا يلزم الاتحاد المتوسطي بأي شيء».
ولن تسعى أوروبا من خلال الاتحاد الوليد «الى إجبار الدول العربية على توقيع اتفاقيات مع إسرائيل أو إلى التطبيع معها، فنحن نرغب جدياً بنجاح المفاوضات الجارية وبإبرام سلام لمصلحة الجميع لكنها ليست مهمتنا». إجماع جديد بين الدبلوماسيين الغربيين. إلا أنّ باران يبدو واضحاً أكثر في هذا المجال، إذ يرى أنّه «إذا كانت دورية الاجتماعات واللقاءات بين مسؤولين من عدة دول مختلفة أو لا تجمعها علاقات ستزيل شيئاً من العداء وتسهم في أن يتعرّف بعضهم إلى بعض أكثر ويبحثوا عن حلول لمشاكلهم، فهذا سيكون أمراً جيداً، وهو أحد أهداف الاتحاد لكنه ليس الهدف الوحيد».
باختصار «يجب عدم الحديث عن إجبار العرب على تطبيع علاقاتهم مع إسرائيل، لكن نعم نسعى لأن يتحدّث العرب مع الاسرائيليين من منطلق التعاون الإقليمي» على حدّ تعبير الدبلوماسيين.
وفي ما يتعلّق بلبنان، فسيكون كامل العضويّة. كما أنّ المشروع المتوسّطي «لا يسعى لمنافسة النفوذ الأميركي في المنطقة». ولتقوية حجّته، يذكّر باران أنّ المشروع المتوسّطي «سابق لتاريخ فكرة الشرق الأوسط الكبير الأميركية».
وعندما يحين وقت الكلام عن التمويل، يبدو الرجلان مقتنعين بأنه يجب أن يشارك القطاع الخاصّ في مشاريع استثمارية. ولا يتردّد لوران في ذكر اسم أحد رجال الأعمال اللبنانيين المتحمّسين للغاية للمشروع من ناحية الاستثمارات وهو جاك سارا... لكن أيضاً باران لا يعرف الرجل!