هل تستعين كابول بـ«التجربة التركيّة» في «منطقة القبائل»؟
مي الصايغ
باتت العلاقات الأفغانية ــ الباكستانية في مرحلة متقدمة من التأزّم، في أعقاب اتهامات كابول لإسلام آباد بالتورط في زعزعة الاستقرار الأفغاني، ولا سيما أن منطقة القبائل الباكستانية تحوّلت إلى «جنة آمنة» لتنظيم «القاعدة» وفلول حركة «طالبان» تُستخدم منطلقاً للهجمات داخل الأراضي الأفغانيّة.
خلاف دفع الرئيس الأفغاني، حميد قرضاي، إلى التهديد بالتدخّل العسكري في منطقة القبائل، قائلاً «عندما يعبرون الحدود من باكستان لقتل قوات الأمن الأفغانيّة وجنود التحالف، فذلك يعطينا حق الدخول إلى تلك المناطق والقيام بالمثل». إلا أن الأمور تطوّرت إلى حد قيام حكومة كابول باتهام أجهزة الاستخبارات الباكستانية بالضلوع مباشرةً في الهجوم الانتحاري الذي استهدف سفارة الهند في العاصمة الأفغانية الاثنين الماضي.
إتهامات ليس بجديدة، سيما أن الرئيس الافغاني دأب على تحميل إسلام آباد مسؤوليّة عدم بذل جهود كافية لمنع عناصر «طالبان» و«القاعدة» من العبور إلى أفغانستان. إلا أنها تميزت بحدّة مرتفعة، مع تشديد ه على أن بلاده «تملك حق القضاء على مخابئ الإرهابيين على الجانب الآخر من الحدود دفاعاً عن النفس»، وتوعدهِ بمطاردة زعيم حركة «طالبان» الملا عمر وزعيم «طالبان» باكستان بيعة الله محسود، باعتباره أن «أفغانستان اليوم أصبح لها صوت وأدوات وشجاعة للتحرك».
تصريحات أثارت تساؤلات عن الدوافع، ومدى توافق الغارات العسكرية عبر الحدود مع مقتضيات القانون الدولي، وهو ما ذهب إليه المحلل السياسي الأفغاني، رشيد وزيري، الذي حاول إسقاط التجربة التركية مع حزب «العمال» الكردستاني على الواقع الأفغاني، مشيراً إلى أن «الحكومة التركيّة أعطت لنفسها حق قصف مواقع حزب العمال في شمال العراق ومطاردة قياداته، لذا هذا حق دولي ويمكن الجميع الاستفادة منه، وبما أن تدخل باكستان في الشؤون الأفغانية مساوٍ لإعلان الحرب، فباستطاعتنا ضرب أعدائنا داخل باكستان وفي المناطق القبلية».
تجربة رفض نائب رئيس معهد الأزمات الدولية، نيك غرونو، إسقاطها على الوضع في أفغانستان، إذ رأى «أن الوضع لا ينطبق على المطاردة الساخنة التي يجري الحديث عنها في منطقة القبائل». كما عزا الخبير في المسائل الدفاعية، جيم دانسلو، الاختلاف الجوهري إلى أن الحكومة التركيّة تبرر أفعالها في شمال العراق مستندة إلى اتفاقيات وقعتها مع نظام صدام حسين.
وبالعودة إلى واقع العلاقات بين باكستان وأفغانستان، وخصوصاً بعد أحداث11 أيلول 2001، يتّضح أن باكستان وافقت على الاشتراك في التحالف الدولي المناهض للإرهاب بإعطاء التسهيلات للقوات الأميركية في حملتها ضد أفغانستان، بعدما دعمت نظام «طالبان» في وجه تحالف الشمال.
غير أن تطورات الأحداث تشير إلى دعم يصل إلى «طالبان» عبر الحدود متمثّلاً بكميات من الوقود والأسلحة، ومئات المتطوعين الباكستانيين المسلحين، الأمر الذي دفع البلدين إلى تقاذف الاتهامات على الدوام. وترى كابول أن إسلام آباد تغض الطرف عن مخابئ «طالبان» و«القاعدة» في مناطق القبائل، وتقوم سراً بدعم «طالبان» باعتبارها «رصيداً استراتيجياً»، على قاعدة أن باكستان لا يروق لها أن ترى بروز أفغانستان دولة صديقة للهند، فيما تتهم باكستان كابول وقوات «إيساف» بالعجز عن إلحاق الهزيمة بـ «طالبان» وإنها وراء انكفاءها إلى الأراضي الباكستانية في ظل حدود يصعب التحكم فيها.
في ظل هذه الأجواء، يبدو أن العلاقات الباكستانية ـــــ الأفغانية أمام مفترق طرق حاد، مدعومة بتوتّر في العلاقة بين إسلام آباد وواشنطن، على خلفيّة تفاوض الحكومة الباكستانية الجديدة مع «طالبان» باكستان. وما زاد من شكوك واشنطن، دراسة نشرتها مؤسسة «راند» البحثية، ومولتها وزارة الدفاع الأميركية، خلصت إلى أن قوات الشرطة الحدودية والاستخبارات الباكستانية تقوم بدعم «طالبان» عبر تزويدهم بالمعلومات الاستخبارية عن تحركات قوات التحالف في أفغانستان.
كما ذهب الباحث في مؤسسة «هيرتج»، جايمس فيليبس، إلى الحديث عن عدم صبر في واشنطن من تفاوض الحكومة الباكستانية مع بيعة الله محسود، لكنه استبعد مساندة واشنطن لقرضاي للقيام بعملية عسكرية في منطقة القبائل. وكل ما في الامر أن «قرضاي عينه على السياسة الأفغانية المحلية. ويدرك أن غالبية الأفغان يرون أن طالبان في قبضة الاستخبارات الباكستانية. «غير أن الجنرال الباكستاني المتقاعد، محمود شاه، استشف من رد فعل إدارة الرئيس جورج بوش مؤشراً لخطة أميركية لتوسيع نطاق عملياتها لتشمل منطقة القبائل .ورغم الغيوم الملبّدة التي تخيم على أجواء إسلام آباد وكابول، يبقى خيار القيام بعملية عسكرية باتجاه منطقة الحدود الأفغانية ـــــ الباكستانية مستبعداً، وسط سعي إدارة بوش إلى تقطيع الوقت، بانتظار ما ستؤول إليه نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخريف المقبل، على أن يرحّل هذا الملف إلى الإدارة المقبلة التي قد تبقي أو تعيد رسم ملامح استراتيجيّتها حيال البلدين الجارين.