هل يصبح الرئيس السوداني عمر حسن البشير، أوّل زعيم عربيّ تطالب المحكمة الجنائية الدوليّة بمحاكمته؟ سؤال خرج من كواليس الأمم المتحدة، وقد يصبح أكيداً إذا ضمّن المدعي العام لمحكمة لاهاي، لوي مورينو أوكامبو، لائحة مرتكبي جرائم ضدّ الإنسانية والإبادة الجماعية اسم البشير يوم الاثنين المقبل
نيويورك ـ نزار عبود

في خطوة تصعيديّة لافتة بحقّ رئيس عربي، يستعد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في محكمة لاهاي،لوي مورينو أوكامبو، للطلب من هيئة المحكمة صباح يوم الاثنين المقبل، توجيه تهم إلى رئيس السودان عمر حسن البشير في قضايا تتعلق بجرائم ضد الإنسانية وارتكاب إبادة جماعية.
قرار سيتجاوز من حيث حساسيته كل ما سبق من إجراءات بحق الدول «المارقة» ويذكّر باعتقال الرئيس الصربي سلوبودان ميلوشيفيتش، أو زعيم المتمردين في سيراليون تشارلز تايلور.
وإذا ما سمح مجلس الأمن الدولي بإحالة ملف البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية، فإن السودان قد يبادر إلى قطع كل علاقه له بالأمم المتحدة وطرد ممثليها، على حدّ تعبير مندوب السودان الدائم في مجلس الأمن، عبد المحمود عبد الحليم محمد.
وكانت قناة «العربية» أول من نقل النبأ عبر مراسلها في نيويورك طلال الحاج، ونسبت معلوماتها إلى «مصادر مطلعة في الأمم المتحدة». غير أنّ «الأخبار» علمت أن لويس مورينو أوكامبو، يقف شخصياً وراء التسريب.
ولم يبقَ الخبر في خانة التقديرات، إذ أكّد المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية شون ماكورماك أنّ أوكامبو سيطلب فعلاً إصدار مذكّرة توقيف بحقّ البشير، محذّراً الخرطوم من مغبّة التعرّض للقوات الدوليّة المنتشرة في دارفور كردّ فعل على الإجراء القضائي. بدوره، قال مبعوث أوروبي رفيع المستوى لدى الأمم المتحدة «ما نعرفه هو أنّ البشير واحد من الناس الذين يتطلع أوكامبو إلى إدراج أسمائهم في لائحة الاتهام».
وكان أوكامبو قد أعلن بعد تقديم تقريره الفصلي الأخير إلى مجلس الأمن الدولي الشهر الماضي، أنّ لديه أدلّة قوية ضدّ شخصيات سودانية رفيعة المستوى سيعلنها في شهر تموز. وقال: حينها «سوف أقدم قضيتي إلى القضاة»، موضحاً كيف أنّ «الحماية كانت جزءاً من الخطة، لأنك إذا استخدمت جهاز الدولة وأعطيت الأوامر بارتكاب جريمة فلا بد للمأمور أن يكون متأكداً من توفير الحماية له، وإلّا فلن يستطيع ارتكابها، ولذا تمثّل التغطية عنصراً أساسياً لارتكاب الجريمة».
ولو مضى أوكامبو قُدماً في توجيه التهم إلى البشير، فإن الأمم المتحدة ستواجه وضعاً في غاية الحرج والتعقيد، لأنّ كبرى بعثاتها الأمنية في العالم، «يوناميد» العاملة في دارفور، ستصبح منعزلة في دولة معادية كلياً. وتضمّ هذه البعثة المختلطة من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، عشرة آلاف عنصر يواجهون مصاعب هائلة، ويتعرّض أفرادها للقتل، ولا يزال أفرادها بانتظار العتاد ووسائل النقل والحماية الجوية. ويجب أن يصل عديد هذه القوات إلى 26 ألفاً، لكن كثيرين يبدون شكّاً في إمكان الوصول إلى هذا العدد بسبب تردّد الدول المعنيّة في توفير ما يلزم، لأن السودان يرفض وضع قوات غير أفريقية على أراضيه. الأمر الذي يثير غضب أكثر من دولة غربية، في مقّدمتها الولايات المتحدة.
وكان المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، ريتشارد وليمسون، قد أعلن الشهر الماضي من مقر الأمم المتحدة أنّ بلاده ستنتظر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لكي يقدم أدلته إلى لجنة القضاة التي ستقرر بدورها إن كانت ستوجّه التهم إلى مسؤولين سودانيين أم لا.
ومن المقرر أن يمثل المدعي العام أوكامبو أمام قضاة المحكمة الجنائية الدولية صباح الاثنين، قبل أن يعقد ظهر اليوم نفسه مؤتمراً صحافياً يكشف فيه عن الأسماء التي يطلب من المحكمة اتهامهم. لكن كل هذه الإجراءات لا تعني أنّ القضاة سيأخذون ما يراها أوكامبو أدلة دامغة، بل سيتداولون بالأمر لفترة قد تمتد إلى ثلاثة أشهر كحد أقصى قبل إصدار قرارهم.
وأفادت مصادر مطلعة أن الدول الأعضاء في المحكمة، وعددها 107، وكذلك الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، تلقّت إشعاراً بخطط أوكامبو المقبلة.
بدوره، فإنّ مجلس الأمن يتمتع وفقاً للمادة 16 من «معاهدة روما»، بصلاحيات تخوّله تعليق أي قرار يصدر عن المحكمة الجنائية الدولية لعام واحد، قابل للتجديد.
وفي ردّ لحكومة الخرطوم على احتمال محاكمة البشير، ذكّرت الحكومة بأنها لا تعترف أصلاً بهذه المحكمة أسوة بواشنطن التي أحجمت عن توقيع «معاهدة روما».
كما سبق أن رفضت الخرطوم تسليم المتهمين المطلوبين في قضية جرمية تتعلق بدارفور وقيادات لتنظيمات الجنجويد الموالية لها، وذلك بعد توجيه عشرات التهم إليهم من جانب المحكمة الجنائية، وهما وزير الشؤون الإنسانية أحمد هارون والقائد الميداني للجنجويد علي محمد علي عبد الرحمن.
إلى ذلك، جدّد مندوب السودان الدائم لدى المنظمة الدولية، في حديث لـ«الأخبار»، تأكيده أنّ التحرك الذي يقوم به أوكامبو يأتي من شخص «مجرم مشبوه بارتباطاته، ندينه بأقسى العبارات. وهذا القرار إذا صحّ يمسّ بسيادة السودان واستقراره فضلاً عن دارفور، وسنقاومه بشتى الوسائل المشروعة وسيكون هناك أربعون مليون سوداني يتصدّون له».
كما اتهم الدبلوماسي السوداني «أعداء السودان» بمواصلة التآمر على بلاده، «تارة بالعقوبات وطوراً بتحريك الجيران وبالتلويح بحقوق الإنسان ودعم الاعتداءات المباشرة مثل غزو مدينة أم درمان». وحمّل بعض الأعضاء في الأمم المتحدة تبعات خططهم، قائلاً «سندافع عن عزة السودان وكرامته بشتى الوسائل». وأشار دبلوماسي عربي آخر، لـ«الأخبار»، إلى أنّ «القضية تحظى باهتمام عربي كبير ولا سيما أنها قابلة لأن تصبح معيارية للضغط على الزعماء العرب وتوجيه الاتهامات إليهم في المستقبل متى أبدوا تمرداً في قضية من القضايا».