بغداد ــ زيد الزبيدي
بعد سيل من التصريحات الإعلامية، وتحركات لم تبتعد كثيراً عن محيط «المنطقة الخضراء»، وشكوك وانتقادات، أعلن رئيس الوزراء العراقي السابق إبراهيم الجعفري عن تأليف ما وصفه البعض بأنه «شيء سياسي جديد»، لم يكن بمستوى الحدّ الأدنى من التصريحات التي روّجت لاستقطاب جهات سياسية واجتماعية مهمّة.
فقد جاء الإعلان عن «تيار الإصلاح الوطني»، متّكئاً على وزن الجعفري وحده، وبمعزل حتى عن أقرب الجهات إليه، تحديداً منظمة أنصار الدعوة، التي يرأسها مازن مكية، والتي وجّهت قبيل الإعلان عن «التيار» انتقادات لاذعة للجعفري، على خلفيّة «انفراده في التحرك»، و«حبّه للذات إلى درجة طبع صورته على الحجاب النسائي الذي وزّع كميات كبيرة منه مجاناً»، إضافةً إلى تكريس قناة الجعفري الفضائية «بلادي» لبثّ كل ما يتعلق بالجعفري من شؤون كبيرة وصغيرة، نافست ما كانت عليه أجهزة الإعلام في عهد النظام السابق. ويُشار هنا إلى أنّ حزب «الدعوة» يمتلك ثلاث قنوات فضائية، إضافة إلى قناة «العراقية» الحكومية، وهي «بلادي» الخاصة بالجعفري، و«آفاق» الخاصة برئيس الحكومة نوري المالكي، و«المسار» لحزب الدعوة ــ تنظيم العراق برئاسة عبد الكريم العنزي.
ولم يضمّ تيار الجعفري أيّاً من شخصيات التيار الصدري أو الفضيلة أو التنظيمات الليبرالية، كما كان قد أعلن سابقاً. وأظهر المؤتمر الصحافي الذي أُعلنت فيه ولادة التيار الجديد أشخاصاً غير معروفين على أساس أنهم يمثلون «شرائح المجتمع العراقي»، ما مثّل شبه صدمة للذين كانوا يتوقّعون أن يأتي الجعفري بشيء جديد ووازِن سياسياً، يتخطّى الإعلان عن أن هذا التيار السياسي (تيار الإصلاح الوطني) «ليس حزباً، بل هو مجرّد تكتل وطني للإصلاح السياسي، ينفتح على جميع الشرائح».
وفي مؤتمره الصحافي المتواضع ــ رغم أنّ التحضير له استغرق وقتاً طويلاً ــ قال الجعفري إنّ التيار «يقوم على أساس رفض الطائفية والفئوية، ويسعى لإصلاح الأخطاء ونقاط الخلل التي وقعت بها العملية السياسية في العراق منذ إسقاط النظام السابق حتى الآن». وعن هذه النقطة تحديداً، يرى المراقبون أنّ انتقادات الجعفري تمثّل «خطيئة»، لأن أكبر الأخطاء ارتُكبت في عهد حكومته بالذات، بما في ذلك اشتعال الحرب الطائفية، واعترافه شخصياً بأنّ من بين أخطائه إناطة وزارة الداخلية بجهة تمتلك ميليشيات، قامت باستيعابها في الوزارة، الأمر الذي لا تزال تعاني تبعاته الأوضاع الأمنية حتّى الآن. ولعلّ أكثر ما أثار الاستغراب هو قول الجعفري في كلمته إنّ التيار «ليس انشقاقاً عن حزب الدعوة أو كتلة الائتلاف العراقي الموحّد»، وتأكيده أنّه «سيخوض الانتخابات (المحافظات في تشرين الأول المقبل) بقائمة مستقلّة».
وفي هذا السياق، يؤكّد القيادي السابق في حزب «الدعوة»، الدكتور سليم الحسني لـ«الأخبار»، أنّ الخطوة الأولى للتيار بدخول انتخابات المحافظات، «تساوي بينه وبين أي كتلة أخرى. وهذا يعني أنّ التيار سوف يكون إضافة كيانية جديدة، تتزاحم مع غيرها على مجالس المحافظات»، معرباً عن أسفه إلى جانب مجموعة كبيرة من قيادات سابقة في «الدعوة»، لأنّهم كانوا يأملون «أن يكون التيار حلاً لمشكلة كبيرة، لا إضافة لما هو موجود حالياً من كيانات وأحزاب».
واستغرب الحسني استعجال الجعفري خوض أوّّل استحقاق انتخابي مقبل، إذ إنّ خوض الانتخابات «لا يمثّل هدفاً متقدماً، إنما يأتي بعد سلسلة طويلة من البرامج». وعلى هذا الصعيد، يقيم الحسني مقارنة مع ما حصل مع «حزب المؤتمر الهندي» الذي امتنع عن خوض الانتخابات مع أنّه كان أكبر الأحزاب الهندية، وذلك لأنّ برنامجه كان يقضي بإيجاد حل للمشكلة الهندية أولاً، التي كانت متمثّلة بالحصول على الاستقلال.
في المقابل، سخر قيادي سابق آخر في حزب «الدعوة»، فضّل عدم ذكر اسمه، من التيّار الجعفري الوليد، إذ إنّ رئيس الحكومة السابق «لا يتابع سوى قناته الفضائية (بلادي)، ويصدّق ما تأتي به من تلميع لصورته، من دون النظر إلى النتائج». فلو فشل تيار الجعفري في انتخابات المحافظات، «فذلك يعني الرفض الشعبي له، وللجهة التي أوصلته إلى رئاسة الحكومة، التي سبق أن راهنت عليه، واستمرت في مراهنتها لولا الفيتو الكردي، الذي طلب استبداله بأي شخص، وكانت النتيجة هي اختيار المالكي».