مركز دراسات الأمن القومي ــ زكي شالومالمواجهة الأخيرة في لبنان، وما نجم عنها من اتفاق في الدوحة، يشيران إلى شيء واحد، هو تعاظم قدرة حزب الله. هذا الاتفاق يعزز، في الواقع، الفرضية القائمة على (إمكان) سيطرة حزب الله على كل إرجاء لبنان، أو على القسم الأكبر منه، ما يؤدي إلى بروز تهديد هائل جداً تجاه إسرائيل.
الهدف الأعلى بالنسبة إلى حزب الله هو شن الحرب على إسرائيل، وهذه الحرب أوقعت فعلياً خسائر معتبرة في الجانب الإسرائيلي، إذ إن الحزب مسؤول عن قائمة طويلة من الهجمات الإرهابية التي طالت أهدافاً إسرائيلية ويهودية حول العالم، من ضمنها الهجومان الوحشيان اللذان وقعا في الأرجنتين. إضافة إلى مهاجمة حزب الله القوات الأميركية والفرنسية التي كانت في لبنان (بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982)، ما دفعها إلى استعجال الانسحاب من هذا البلد.
نجح حزب الله منذ انتهاء حرب لبنان الثانية، في إعادة تأهيل قدراته إلى حد كبير. واستناداً إلى عدد من التقارير، يمتلك حزب الله حالياً عشرات الآلاف من الصواريخ، من بينها صواريخ بعيدة المدى قادرة على إلحاق ضرر كبير في العمق الإسرائيلي. وبالتالي، فإن المخاطر الكامنة في سيطرة حزب الله على لبنان، هي مخاطر واضحة جداً، ليس أقلها النتائج (المباشرة) التي ترتبت على هذه السيطرة.
حافظت إسرائيل من جهتها، منذ تأسيسها، على المبدأ القائم على أن أي دولة تؤوي إرهابيين يهاجمون إسرائيل، ستكون هي المسؤولة عن أعمالهم. واستناداً إلى هذا المبدأ، تعمل الدولة العبرية ضد هؤلاء الإرهابيين انطلاقاً من مفهوم سيادة الدولة على أراضيها. وبكلمات أخرى، تعود المسألة إلى الدولة التي توجد المنظمات الإرهابية فيها وتعمل انطلاقاً منها. فإذا قامت بأعمال عدائية ضد إسرائيل، فإن هذه الدولة تكون المسؤولة وتدفع هي الثمن، أي إن الهدف هو الضغط على الدولة نفسها التي تؤوي الإرهابيين كي تتخذ الإجراءات الضرورية التي تكفل إيقاف الهجمات.
وجدت إسرائيل، من ناحية عملية، صعوبة في تطبيق هذا المبدأ بشكل كامل، وتحديداً في السياق اللبناني. إذ إنه لسنوات خلت، حكمت لبنان قيادة مكونة من زعماء معتدلين ومدعومين من الغرب، وتنظر هذه القيادة إلى حزب الله على أنه منافس معادٍ تعمل بشكل كبير على إضعافه، وفي الوقت نفسه يخشى الزعماء اللبنانيون من مواجهته، وفي تعاطيهم يسمحون له بالعمل ضد إسرائيل مريقاً للدماء معها، ويشددون على أنهم ضعفاء غير قادرين على مواجهته.
من هنا، إذا أرادت إسرائيل أن تعمل ضد لبنان في ردودها، فإن القيادة اللبنانية تعمد إلى استخدام علاقاتها الجيدة مع الدول الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة والبلدان العربية المعتدلة، لممارسة الضغط على إسرائيل كي لا تلحق ضرراً كبيراً بلبنان.
ثبتت هذه الظاهرة بوضوح في 12 تموز 2006، إذ في النقاش الذي جرى في مجلس الوزراء في أعقاب عملية حزب الله الخطيرة، تقدم رئيس هيئة أركان الجيش دان حالوتس باقتراح يقضي بمهاجمة البنى التحتية في لبنان، على أن يشمل ذلك محطات الكهرباء ومصافي النفط والموارد المالية. لكن المستوى السياسي في إسرائيل، وتحديداً رئيس الحكومة ووزير الدفاع ووزيرة الخارجية، رفض الاقتراح، ويعود السبب في ذلك إلى التوضيح الذي تلقوه في اليوم نفسه من محافل رفيعة المستوى في الإدارة الأميركية والحكومة البريطانية، من أن ضرب البنى التحتية اللبنانية سيؤدي إلى تقويض استقرار الحكومة المدعومة من الغرب، التي يرأسها فؤاد السنيورة، الأمر الذي أدى إلى وضع الاقتراح جانباً.
ليس لدينا ما يكفي من المعطيات لتقويم فاعلية هذا الاقتراح في حال تنفيذه، وهل كان من شأنه أن يؤدي إلى نتائج مختلفة جوهرياً للحرب. إلا أن من الواضح أن الرفض الأميركي والبريطاني لتفعيل هذا الخيار، ناجم عن كون الحكومة اللبنانية الرسمية مدعومة من الغرب وتتمتع بدعم من الولايات المتحدة. وعدم قدرة إسرائيل على العمل بخيار الهجوم على البنية التحتية اللبنانية، شكل قيداً رئيسياً على مناورة إسرائيل وحريتها في العمل في لبنان.
وتعني سيطرة حزب الله على لبنان أن خيارات إسرائيل في المناورة ضده ستزداد بشكل ملحوظ. ومن الواضح للجميع أن ما من جهة دولية ستقدم على التورط في تقديم الدعم لحزب الله من الهجمات الإسرائيلية. إلا أن هذا لا يعني بالضرورة أن تعمد إسرائيل إلى مهاجمة البنية التحتية اللبنانية، فبعيداً عن القيود الدولية، يجب على القيادة الإسرائيلية أن تلتزم أيضاً بالقوانين والمعايير القائمة دولياً، التي تصعّب عليها اتخاذ خطوات ضد البنى التحية المدنية، وهو ما يحصل حالياً في قطاع غزة، إذ امتنعت إسرائيل عن إلحاق الضرر بالمنشآت الكهربائية والوقود في قطاع غزة، رغم أن حركة «حماس» تسيطر عليه. لكن رغم كل ذلك، فإن سيطرة حزب الله على لبنان تسمح لإسرائيل بمزيد من المناورة ضد لبنان، في حال اندلاع نزاع مسلح جديد، على الأقل من المنظور الدولي.
من المنظور الإسرائيلي الخاص، يمثل حزب الله تهديداً عسكرياً لإسرائيل، لكنه في الوقت نفسه كيان قوي ويتمتع بإمكانات اقتصادية ومالية هائلة، ولديه أيضاً طموحات سياسية بعيدة المدى. لذا، في أي مواجهة (مستقبلية) مع إسرائيل، وإذا ما تسلم حزب الله زمام القيادة (في لبنان)، سينتهي الأمر بأنه لا شيء سيردع إسرائيل من إلحاق الضرر الكبير بإمكاناته، أي إنه لن يكون لدى إسرائيل أي حد في ردودها وفي إلحاقها الضرر بلبنان، في حال اندلاع نزاع بينها وبين حزب الله.
ويمكن التقدير أيضاً، بشكل موازٍ، أن سيطرة حزب الله على لبنان ستؤدي إلى نشوء وعي جديد لدى الجهات الدولية المختلفة في ما يتعلق بالتهديد الإيراني. إذ إنه إلى الآن، تمثلت مخاوف مجلس الأمن في ما يتعلق بإيران، بالخشية من نياتها في تطويرها للقدرات النووية. لكن يمكن سيطرة حزب الله على لبنان أن تزيد من إدراك الخطر الذي تمثله إيران، ليس فقط انطلاقاً من المسألة النووية، بل أيضاً من قدرتها على زعزعة استقرار الأنظمة الموالية للغرب في المنطقة، وفي مقدمتها السعودية ومصر والدول الخليجية، وهو تطور قد يصب بشكل جيد خدمة للمصالح الإسرائيلية.