ليس لديه مشروع سياسي واجتماعي ولا يعير تكوين مواطنة حقيقيّة أيّ اهتمام ويفشل في نزع فتيل الطائفيّة
وائل عبد الفتاحشنودة يعالج الآن في أميركا، وقد أدى في السنوات الأخيرة دوراً أكبر من منصبه الديني مقترباً من زعامة سياسية تتفاوض من أجل حقوق «شعب الكنيسة» (كما يسمّون الأقباط في الخطب الدينية).
التظاهرات تعبّر أيضاً عن إحساس بالاستضعاف وتحتج على النظام، إذ حاول المتظاهرون تعطيل سيارة المحافظ. وتشكو الحركات الاحتجاجيّة من «مسلمين لا يفهمون معنى المواطنة في دولة حديثة متعددة الأديان». الاستضعاف يخلق حالة تطرّف مضادة. والغضب المتكرر دليل متجدّد على فشل النظام في مقاومة التطرف الساري بقوة في أطراف المجتمع ومراكزه الحيوية. وما حدث في المنيا مثال واضح، فالأرض المتنازع عليها من أملاك الدولة ومن الممكن تطبيق القانون بدلاً من إهمال الحساسيات الطائفية.
لكن الحوادث ضد الأقباط تتكاثر رغم نفي بيان من وزارة الداخلية وتصريحات المسؤولين. الهجمات أشارت إلى ما يمكن أن يسمّى «علامات السقوط البطيء للنظام» لأنها تشير إلى أزمات حادة؛ إن لم تكن سياسية (فتنة طائفية)، فهي اقتصادية (عصابة السطو في الإسكندرية استغلت القلق من مجزرة الزيتون لتحملها إلى الجماعات الإسلامية المتطرفة كما فهم من البيان الرسمي للشرطة).
النظام لا يواجه المشكلات ببرنامج فعّال وحقيقي بل يكتفي بمنطق الدفاع والتبرير. منطق لا منطق له، حتى إن مساعد وزير الداخلية قال أول من أمس أمام مجلس الشعب إن «عدد المعتقلين السياسيين لا يتجاوز الألف معتقل»، وهو بالنسبة إليه «رقم ضئيل لا يستحق هذه الضجة المثارة».
الرقم غير صحيح على الإطلاق مقارنةً برقم آخر رصدته منظمات حقوق الإنسان المصرية والدولية يدور حول ١٨ ألف معتقل يعانون ظاهرة ليست موجودة إلا في مصر، وهي ظاهرة الاعتقال المتكرر، أي إنه بعد الإفراج عن المعتقل تصدر الداخلية أمر اعتقال جديداً له وهكذا يظل المعتقل في دائرة لا يكاد يخرج منها إلا بقوى إلهية.
هذه المأسآة تخلق أجيالاً متتالية من معتقلين ميؤوس منهم، ليس أمامهم إلا الخضوع للشروط الحكومية أو البقاء إلى أجل غير مسمى في المعتقل الذي يعدّ مصنعاً للتطرف والإرهاب، وبالطبع رفض الدولة المدنية الحديثة.
مساعد الوزير حمل البشارة إلى نواب البرلمان بأن الوزارة تخطّط لبناء سجون جديدة لتفادي التكدس في الزنازين. هذه هي طريقة النظام في الحل: فتح سجون بدلاً من مشاريع تحقّق تنمية تواجه الإرهاب والتطرف. وبالطبع، الحل بهذه الطريقة لا يستوعب جيل الأبناء من المعتقلين، المخزن الجديد لمجموعات تنتقم من المجتمع الحديث وتختار الأعداء من شركاء المجتمع: المسيحيين.
تحت هذه الضغوط السياسية والاجتماعية، يندفع المجتمع إلى نظام قيم قديمة يدافع عنها باعتبارها معارضة للنظام الحديدي. وهذا ما يفسر رفض قانون يحرّم ختان الإناث. الرفض كان من المعارضة، ومن بعض نواب الحزب الوطني الحاكم. هؤلاء مثّلوا الجناح المحافظ الذي يتنامى بقوة مكوّناً السلطة الاجتماعية. بحثت هذه المعارضة في جلسة أمس من مناقشات البرلمان للقانون عن سند ديني ولم تجد، لكنها رأت أنه من المؤكد أن الدين (المقصود الإسلام) مع الختان. نائب مفصول من الحزب الحاكم أشار بحركات مبتذلة لوزير العدل المستشار ممدوح مرعي ليقول إن «الإسلام لا يحرّم ختان الذكور». وكان الوزير يقول له إن «الله خلق الإنسان في أحسن صورة ولا يصح أن نشوّهه بقطع جزء منه».
كلا الطرفين بحث عن سند ديني، ورغم أن البرلمان وافق على القانون، فإنه بقي قانوناً من أعلى. صنيعة نظام ليس لديه مشروع سياسي واجتماعي. لا يعير تكوين مواطنة حقيقية أي اهتمام ويفشل في نزع فتيل الطائفية. فكيف يعيد التوازن إلى تفصيلة اجتماعية تمثل حق المرأة في حمايتها من الاعتداء على جسدها وحقها في المتعة؟.