شهيرة سلّومبات جورج بوش عبئاً ثقيلاً على الجمهوريين، وعقبة في معركتهم الرئاسية، بفضل السياسات الفاشلة التي انتهجتها إدارته خلال عهد استمر ثماني سنوات، في الداخل والخارج. فالاقتصاد في مسيرة ركود انتقلت عدواها إلى خارج الحدود، والعالم متخبّط في أزماته بعدما فوّض القطب المتوحّش نفسه لإدارتها، ومشاريعه الاستعمارية من أفغانستان إلى منطقة الشرق الأوسط، أُصيبت بفشل ذريع، وازدادت مشاعر الكراهية لها عند شعوب تلك المناطق، وتراجع التأييد الأممي لسياسة القطب الأميركي الآفل.
حال صنعتها إدارة بوش الجمهورية، فاستغلها الديموقراطيون كي يثبتوا فشلها، ويعزّزوا موقعهم للوصول إلى البيت الأبيض، فترى باراك أوباما وهيلاري كلينتون لا يوفران أي مهرجان انتخابي ليذكّرا الناخب الأميركي كم أنّ هذه الإدارة «حمقاء» أغرقت البلاد والعالم في الفوضى والإرهاب.
أما الجمهوريون، فيعلمون جيّداً نقاط ضعفهم، رغم أنّهم يسرّونها، ومرشحهم جون ماكاين يحاول قدر المستطاع النأي بنفسه عن سياسة بوش. ويقول النائب الجمهوري توم ديفيز، في مذكرة لرفاقه، إن «المناخ السياسي الذي يواجه الجمهوريين في مجلس النواب في تشرين الثاني هو الأسوأ منذ فضيحة ووترغيت (فضيحة تجسس الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون على الديموقراطيين عام 1972)، وهو مسمم أكثر من خريف عام 2006 حين خسرنا 30 مقعداً».
ورغم أنّ السياسة «الفاشلة» ليست من صنع بوش بل إدارته، فهو أغبى من أن يُدير الدولة العظمى في العالم (بحسب المراقبين)، لكنّه بالنسبة للناخب الأميركي على رأس هذه الإدارة. لذلك يريد ماكاين تفادي إعطاء انطباع بأنّ ولايته ستكون فترة رئاسة ثالثة لبوش، مثل الطريقة التي تعامل فيها مع الحرب على العراق، وهذا ظهر جلّياً في ذكرى قتلى الحروب الأميركية منذ أسبوع، حين خاطب المحاربين القدامى قائلاً إنّ الأخطاء التي ارتكبت في العراق «أوجعت قلبه». لكن ذلك لا يعني أنّه يُعارض توجّه الإدارة الحالية، بل يحاول الالتفاف على القضية استرضاءً للناخب، فمن جهة يعترف بأخطاء ارتكبها قادة مدنيون وعسكريون في ما يُشبه انتقاداً ضمنياً لبوش، ومن جهة ثانية يبعث برسالة إلى الناخب تقول «سأصلح هذه الأخطاء» ولكنّها لن تصل إلى حدّ الانسحاب كما يطالب الديموقراطيون.
ويقدّم ماكاين مقاربة مغايرة عن رؤية بوش في التعاطي مع القضايا الدولية المحورية، كتحسين صورة الولايات المتحدة في العالم، والابتعاد عن السياسة الأحادية ودبلوماسية «رعاة البقر» في معالجة القضايا الدولية، ولا سيما مسألة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية، إضافة إلى قضية المناخ والاحتباس الحراري وإيلائها المزيد من الأهمية، والتعامل مع الكوارث الطبيعية كإعصار كاثرينا الذي وُجّهت على أثره انتقادات حادّة لحكومة بوش في إدارتها للأزمة.
لذلك، يتجنّب المرشح الرئاسي الظهور علناً إلى جانب بوش. وفي جولة الرجلين إلى الولايات الغربية الأسبوع الماضي، استُبعدت الصحافة من المشاركة في حفل جمع الأموال، لكن التُقطت صور يتيمة لهما يتصافحان بعد انتهاء المهرجانات على مدرج المطار. كان الظهور الأول لهما منذ أكثر من ثلاثة أشهر، ما مثّل ذخيرة إضافية للديموقراطيين. وبعد ساعات قليلة ظهر أوباما ليقول «انظروا إلى المرشح الجمهوري، هل تريدون بوش آخر في البيت الأبيض».في المقابل، لا يمكن لماكاين أن يستغني عن خدمات بوش، فالأخير محبوب من الجمهوريين «المخلصين»، وباستطاعته أن يجمع له المال لتمويل حملته الانتخابية، ولا سيما في مواجهة المدّ المالي الديموقراطي. وهو يتخلّف كثيراً عن منافِسَيه الديموقراطيين، فبينما جمع في شهر نيسان 18.5 مليون دولار، جمعت هيلاري كلينتون في الشهر نفسه 21 مليوناًَ، أما أوباما فقد فاق الاثنين وجمع 30.7 مليون دولار. وقد استطاع بوش وماكاين معاً أن يجمعا أكثر من 3 ملايين دولار حين جالا الأسبوع الماضي في ثلاث ولايات غربية.
رغم تلك «الحسنات لبوش»، إلاّ أنّها لا تظهر أمام «ثقل ظلّه»، وتبقى المراهنة الحقيقية للجمهوريين من أجل تعزيز فرص بقائهم في البيت الأبيض: تحسين شعبية جورج بوش بأضعاف مضاعفة بعدما دخل التاريخ كأقل الرؤساء الأميركيين شعبيةً، وهي مهمة تبدو شبه مستحيلة.