strong>معمر عطويتحمل زيارة رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، إلى السعودية، دلالات عديدة في هذا الوقت الذي تُفرّخ فيه حدّة التوترات بين البلدين معارك مذهبية في أكثر من بلد. وإذا كان عنوان المؤتمر الدولي الذي دُعي إليه رئيس مجلس خبراء القيادة الإيرانية البراغماتي، يصب في هدف الحفاظ على «الوحدة الإسلامية»، إلاّ أن توقيته يأتي في ظرف شديد الحساسية غداة صدور بيان «علمائي» سعودي يُهاجم الشيعة ويُحذِّر من «الانخداع بمزاعم الرافضة»، حسبما أورد البيان الذي وقّعه 22 رجل دين سعودياً أول من أمس.
وتبدو محاولات التقارب بين البلدين كأنها عملية التفاف على أطراف متشددة في هذا الجانب أو ذاك، تعمل على تفجير الأزمة. لذلك يأتي حضور رفسنجاني، تلبية لدعوة رسمية وجهها إليه الملك عبد الله، كأنه يبرهن على وجود مساع تحاول لملمة الجراح «المذهبية» التي أنتجتها الأزمة بين الرياض وطهران.
وبات واضحاً، من خلال الزيارة تلك وغيرها من الجهود المشتركة، بينها ما حصل في لبنان، أن تضارب المصالح بين العاصمتين، لن يكون سبباً لتفجيرات مذهبية كبيرة قد تنقلب نتائجها على البلدين؛ فرغم أن السعودية وإيران ليستا على قدر كبير من المودّة، إلّا أن خطورة خلافاتهما على الشارع الإسلامي، تترك انعكاسات أكبر من أن يتحملها أي منهما، لذلك يلجأ المسؤولون هنا وهناك إلى محاولة تطويق الأصوات التكفيرية السنيّة التي تصف الشيعة بـ«الرافضة»، (الذين يرفضون خلافة أبو بكر وعمر وعثمان) والأخرى الشيعيّة التي تنتقد المدرسة الوهابية وتصف بعض أهل السنة بـ «النواصب» (لمناصبتهم العداء لأهل بيت النبي).
محاولات بدت كأنها إدارة للأزمة وليست لوضع الحلول الناجعة لها. وزيارة رفسنجاني قد تصلح للبحث عن مثل هذه الحلول، ولا سيما أن الرجل اشتهر بمنهجيته المعتدلة وخطابه الوسطي في الوقوف على تماسّ واحد من جميع الأفرقاء على مستوى السياسة الداخلية الإيرانية، كما كان له موقف جريء الشهر الماضي يَصبُّ في إدانة مروجّي الفتن المذهبية وجرائم القتل الجماعي في العراق، معتبراً أن العمليات الانتحارية تمثّل «انحرافاً فكرياً».
من المُبكر القول إن زيارة رئيس مجلس الخبراء هذه، ستفتح صفحة جديدة بين إيران والسعودية، بيد أن مثل هذه الزيارات قد تؤجّل أو تنزع فتائل التفجير المذهبية وتحدّ من توسعها. وربما كانت زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى قطر وحضوره أعمال قمة دول مجلس التعاون الخليجي في الدوحة في الثالث من كانون الأول الماضي، محطة هامة على صعيد تحسين العلاقات السعودية ـــــ الإيرانية، ولا سيما حين دخل نجاد إلى قاعة المؤتمر ممسكاً بيد الملك السعودي عبد الله.
لكنّ هذا الحضور التاريخي والزيارتين المتتاليتين السابقتين لنجاد إلى السعودية، لم تفلح في الحد من التوترات، التي تفجّرت أخيراً في لبنان، ما يؤكد فرضية عقم الزيارات والمجاملات الدبلوماسية في حل إشكالية تاريخية عميقة.
هذه المشكلة ذات الأساس المذهبي كانت قد تبلورت في النصف الثاني من الثمانينات، بسبب الاشتباكات بين الشرطة السعودية والحجاج الإيرانيين الذين تظاهروا احتجاجاً على الولايات المتحدة، الأمر الذي أدى إلى مقتل أكثر من أربعمئة شخص، وتسبب بقطع العلاقات بين البلدين عام 1988.
لكن العلاقات عادت عام 1991، ووصلت إلى ذروتها عام 1997 بعد انتخاب الرئيس الإيراني محمد خاتمي، الذي قام بزيارة إلى السعودية في عام 1999. وكان من نتائج هذه الزيارة توقيع البلدين عام 2000 اتفاقية أمنية للتعاون في مجالات مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب وتهريب المخدرات في طهران، التي استقبلت في هذا العام، للمرة الأولى منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، وزير داخلية سعودي هو الأمير نايف.
ولا شك أن الاتفاقات الأمنية قد تقلّص من حدة التوتر السياسي بين ايران والسعودية، كذلك مضاعفة التبادل التجاري وتعميق العلاقات الاستثمارية، غير أن كل هذه الخطوات لا تخدم فكرة التقريب بين المذاهب. وقد يكون المزيد من التنسيق الأمني الذي جرى بين مسؤولين سعوديين وايرانيين في الأشهر الماضية، إحدى المحطات المهمّة في تعزيز التقارب ونزع فتائل التفجير.
لكن الأهم من ذلك هو عدم وقوع أي من الدولتين في فخّ تحقيق «مجد» السيطرة على المنطقة بدعم دولي. كذلك معالجة الخلاقات العقائدية بطريقة منهجيّة وإبعاد الأجنحة التكفيرية والمتطرفة من الطرفين عن الحلبة.