strong>حسام كنفانيالأجواء التصالحيّة الفلسطينية، التي بدأت تطفو على السطح في الفترة الأخيرة، بعد تعثّر المفاوضات مع إسرائيل والنجاح القطري في إحداث اختراق على الساحة اللبنانية، لا تزال دون مرحلة النضوج الداخلي الفلسطيني، ولا سيما بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية وحركة «فتح»، اللتين تسعيان بجديّة إلى ترتيب البيت الداخلي قبل الخوض في مواجهة حواريّة مع «حماس».
نجاح مساعي المصالحة قد لا يرى النور في القريب العاجل، وهو بحسب مصادر مطلعة على ما يدور خلف أبواب «فتح» ومنظمة التحرير، يتطلّب عاماً على الأقل قبل رؤية أي اختراق في هذا السياق، ولا سيما أن جدول أعمال الرئيس الفلسطيني محمود عباس مثقل بكمّ من الأهداف يسعى إلى تحقيقها قبل إظهار جديّة في التعاطي مع أي وساطة مفترضة لإنهاء الانقسام الداخلي.
ترتيب البيت داخل منظمة التحرير و«فتح» يقع في مقدمة اهتمامات الرئيس الفلسطيني في المرحلة الحالية، حتى إنه يتقدّم على مفاوضات السلام، وخصوصاً أنه بات يدرك أن الرهان على كسب النقاط من أي اتفاق سلام مرتقب ما عاد ممكناً في المرحلة الحالية، والبحث ينصبّ على تثبيت وضعه الداخلي قبل الوصول إلى الانتخابات الرئاسية العام المقبل.

التفوّق في «فتح»

بات من المسلّم به أن صراعات مكتومة تدور داخل «حركة التحرير الفلسطينية» (فتح)، وبين فترة وأخرى تخرج أصوات من داخل الحركة منتقدة رئيسها محمود عباس. أصوات وصراعات تنغص على أبو مازن زعامته للحركة، وتهدّد مركزه كرئيس للحركة التاريخية على الساحة الفلسطينية، الذي يخوله رئاسة السلطة وزعامة منظمة التحرير والتفاوض باسم الشعب الفلسطيني.
مهمة عباس الأولى اليوم تتمثل باستعادة السيطرة الكاملة على «فتح» عبر مؤتمر الحركة الذي طال انتظار انعقاده. الحديث الأولي على الساحة «الفتحاوية» يرجح انعقاد المؤتمر في آب المقبل. وتؤكّد مصادر مطلعة أن المؤتمر «سيشهد تعديلات جذرية في قيادات الحركة، تخوّل استفراد عبّاس وحاشيته بالقرار».
استعادة السيطرة الكاملة مستحيلة من دون استرضاء الحركة، التي أعرب قياديوها في أكثر من مناسبة عن سخطهم على حكومة تسيير الأعمال برئاسة سلام فيّاض، لغياب أي ممثل لـ«فتح» فيها. غضب لم يكن ظاهراً قبل مؤتمر باريس في كانون الأول العام الماضي والـ7.4 مليارات دولار التي قدمتها الدول المانحة للسلطة الفلسطينية وحكومة فيّاض.
عباس كان يحرص في البداية على صد الدعوات «الفتحاوية» للمشاركة في الحكومة، إلا أنه يبدو حالياً في وارد تحقيق الطلب، وهو ما ظهر أواخر الأسبوع الماضي، حين كشف مصدر فلسطيني رفيع المستوى، لوكالة «فرانس برس»، أنه تقرر خلال الأسابيع القليلة المقبلة تغيير حكومة سلام فياض وتأليف أخرى، على أن يبقى فياض على رأسها، متوقعاً «أن يُعلن عن تأليف الحكومة الجديدة يوم الرابع عشر من حزيران»، الذي يصادف الذكرى السنوية الأولى لعملية الحسم العسكري لـ«حماس» في غزة.
القرار، بحسب المصدر نفسه، اتخذ خلال اجتماع بين الرئيس الفلسطيني وفياض وقياديين من «فتح». وأن الطرح الأولي هو تأليف الحكومة من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، ما يعني عودة «فتح» بقوة إلى الحكومة، باعتبارها الفصيل الأكبر بين فصائل المنظمة.
وترجح مصادر مطّلعة، لـ«الأخبار»، أن التعديل الحكومي المرتقب يأتي في إطار مقايضة بين عبّاس والقياديين في «فتح» تمهيداً لمؤتمر الحركة، الذي يريده عبّاس تكريساً لزعامته. وتشير إلى أن المؤتمر بات قريباً، ولا سيما أن التحضيرات الداخليّة له جاهزة.
وتحدّد المصادر ثلاثة أهداف رئيسة لعباس في المؤتمر، في مقدمها إقصاء فاروق القدومي عن أمانة سر اللجنة المركزية للحركة، ولا سيما أن الأخير يطرح نفسه ندّاً للرئيس الفلسطيني، ويعبّر في تصريحاته عن توجهات متناقضة مع التوجه العام لـ«فتح» الذي يعبّر عنه أبو مازن.
الهدف الثاني للمؤتمر، بحسب المصادر، سيكون التخفيف من الهالة المقامة حول أمين سر الحركة في الضفة الغربية، الأسير مروان البرغوثي، ولا سيما أن قيادات فلسطينية بدأت الترويج في الفترة الأخيرة للبرغوثي باعتباره الرئيس المقبل للحركة والسلطة.
ويرغب عبّاس في تتويج المؤتمر بإعلانه مرشّح «فتح» للانتخابات الرئاسيّة المقبلة، حتى وإن كان في العلن يسرّب عدم رغبته في الترشح للرئاسة لدورة ثانية. كما من المتوقّع، خلال المؤتمر، خروج قيادات تاريخية من المجلس المركزي، في مقدمتها، بحسب المصادر، هاني الحسن وانتصار الوزير (أم جهاد).

شواغر المنظمة

ترتيب البيت الداخلي لا يقتصر على «فتح»، إذ يعمل عبّاس على خط موازٍ في منظمة التحرير الفلسطينية، سواء في المجلس الوطني أو اللجنة التنفيذية، التي خسرت بالوفاة خمسة من أعضائها الـ18.
ومع تعكير أجواء الانقسام الداخلي لإمكان إجراء انتخابات لأعضاء المجلس الوطني، إضافة إلى أنه لا يرغب بانتخابات لعدم قدرته على السيطرة على لوائح «فتح»، فإن عباس يسعى إلى إقناع الفصائل الفلسطينية المشاركة في المنظمة بملء الشواغر عبر التعيين بدل الانتخاب، إلا أنه إلى اليوم لم يحصل على موافقة غالبية الفصائل، ما يدفعه إلى التركيز حالياً على اللجنة التنفيذية.
وفي أحد اجتماعات اللجنة الشهر الماضي، تحدث عباس بإسهاب عن ملء الشواغر في اللجنة، على اعتبار أنه «إذا حدث شيء لأعضاء التنفيذية ندخل في الفراغ والمجهول». وحاول التلويح بخطر «حماس»، التي قال إنها «بدأت من الآن تتحدث عن الانتخابات الرئاسية».
وتشير المصادر إلى أن الأجواء العامة لدى الفصائل هي الموافقة على ملء الشواغر وفق النظام الداخلي، شريطة إحياء دور منظمة التحرير وتفعيلها وإشراكها في القرار الفلسطيني. كما تشترط بعض الفصائل بحث الملف المالي وآلية عمل اللجنة التنفيذية، مشيرة خصوصاً إلى المخصصات التي تحصل عليها «فتح» دون باقي الفصائل.
وإذا نجح عبّاس في مسعاه في «فتح» والمنظمة، يكون قد أمّن أرضية صلبة للوقوف عليها في محاورة «حماس»، التي تعيّره بفشل رهاناته، ويكون أمّن مشروعية عليا لحكومة سلام فيّاض في غياب المجلس التشريعي وعدم تمكنها من نيل الثقة فيه.