يربط الكاظميّة بالأعظميّة... ويشكّل رمزاً للتآخي الطائفي زيد الزبيديبعد نحو ثلاث سنوات على إغلاقه نتيجة «مجزرة تدافع» شهدها عقب شائعة عن أنّ انتحاريّاً يهمّ بتفجير نفسه وسط الحشود، تترقّب بغداد خلال الأيام القليلة المقبلة إعادة افتتاح جسر «الأئمة» الذي يربط بين منطقتي الكاظمية والأعظمية، في خطوة ترمز إلى التغلّب على صورة العاصمة المنقسمة على نفسها في بلاد مزّقها الاحتلال والحروب والمذابح الطائفية.
وللجسر الذي أنشئ في عام 1957، تاريخ طويل من الأحداث السياسية والاجتماعية المرتبطة بالتعبير عن وحدة العراقيين، ما جعل البعض يطلق عليه لقب «جسر المحبة»، بين الكاظمية ذات الغالبية الشيعية، والأعظمية ذات الغالبية السنية العربية.
ويذكر المسنّون على جانبي الجسر، يوم أوشكت الكاظمية على الغرق في خمسينيات القرن الماضي بعد فيضان نهر دجلة، حيث اندفع أهل الأعظمية لنجدة إخوانهم وساعدوهم على بناء سدّ منع الكارثة.
كما أنّ هناك كثافة شديدة في التداخل السكاني بين «الكواظمة» (سكان الكاظمية) و«المعاظمة» (سكان الأعظمية)، وهو تمازج لم تؤثر به كثيراً الأحداث الطائفية التي تلت الغزو الأميركي في عام 2003.
وقد سُمّي الجسر باسم الأئمة، نسبة إلى وجود مراقد أئمة على طرفيه، وهم موسى الكاظم ومحمد الجواد في الكاظمية، وأبو حنيفة النعمان المدفون في الجامع المسمّى باسمه في الأعظمية.
وكان جسر الأئمة قد أُغلق بعد حادثة 31 آب في عام 2005، التي أدت إلى وفاة المئات من المواطنين، نتيجة الازدحام أثناء عبورهم على الجسر لتأدية مراسم الزيارة لمرقد الإمام موسى الكاظم.
وبعكس الأجواء السائدة في بلاد الرافدين، التي كانت تعيش أولى أيّام الحرب الأهلية في ذلك الوقت، أصبحت الحادثة في ما بعد رمزاً للوحدة بين العراقيين، بحيث تهافت العشرات من شباب الأعظمية إلى نهر دجلة لإنقاذ الزائرين الشيعة من الغرق بعد سقوط المئات منهم في النهر.
ويومها، شمّر أهل الأعظمية عن سواعدهم، فحملوا الجرحى إلى مستشفى النعمان بسياراتهم، ووفروا الماء والغذاء والرعاية للمنكوبين. وشهدت شوارع الأعظمية تعليق لافتات الحزن والتعاطف مع ضحايا الزوار، ومنها على جدران جامع الإمام الأعظم.
وإحدى القصص التي تحوّلت في ما بعد إلى رمز للتماسك الاجتماعي والألفة بين العراقيين، كانت حادثة مقتل عثمان علي العبيدي من الأعظمية، الذي اندفع إلى النهر منقذاً ستة أشخاص، ليغرق بعدها في دجلة بعد التفاف عباءة امرأة غارقة حول جسده.
ومع الافتتاح المرتَقَب لـ«جسر الائمة»، يقول والد عثمان، علي عبد الحافظ العبيدي، إنّ «أمنيتي تكون قد تحقّقت (مع افتتاحه) إحياءً لروح ابني الطاهرة».
وفي إطار التحضيرات لاحتفالات افتتاح الجسر، رأى رئيس المجلس المحلي للأعظمية، قاسم أحمد السيد، أن افتتاح الجسر «هو نتيجة طبيعية بعد عودة الحياة الطبيعية لمنطقة الأعظمية إثر انحسار موجة العنف التي عصفت بها». وأضاف: «هناك محالّ تجارية في الأعظمية أصحابها من منطقة الكاظمية، ستؤهّل وتُرَمَّم ليعود أصحابها إلى العمل مجدداً».
وأوضح السيّد أنّ المجلس البلدي في المدينة ووجهاء العشائر وأصحاب المحال التجارية، سيستقبلون وفداً رسمياً من وجهاء الكاظمية وعلمائها سيراً على الأقدام عبر جسر الأئمة، «تعبيراً عن وحدة الصف ونبذ التفرقة والطائفية بين أبناء الشعب العراقي»، تليها مأدبة غداء كبرى في الأعظمية، وصلاة موحدة في جامع الإمام أبي حنيفة. وستُجرى المراسم نفسها بعد أسبوع أو أسبوعين في الكاظمية.
وكانت المنطقتان قد تعرّضتا لتفجيرات دموية عديدة، وخضعتا للحملات الأمنية المكثفة ضمن إطار خطة «فرض القانون»، وشهدتا موجة الجدران الإسمنتية السميكة التي ترتفع في شوارعهما.
وفي تعليق لقيادة خطّة «فرض القانون»، اكتفى المتحدث باسمها اللواء قاسم عطا بالقول، في بيان، إنّ الاستعدادات لافتتاح الجسر قد استُكملت، وإعادة فتحه «ستسهم بشكل كبير في امتصاص الزخم المروري الحاصل في الشوارع، والربط بين أوصال العاصمة بغداد ومناطقها».