محطّات متقطّعة من الكفاح المسلّح استقت مفهوم ماو لتحويل المناطق القرويّة إلى مهد للثورةمي الصايغ

من قلب مقاطعتي رولبا وريكيم الجبليتين، في الغرب الفقير من النيبال، أطلق الثوار بقيادة الحزب الشيوعي النيبالي ـ الماوي كفاحهم المسلح قبل 12 عاماً، ليصبح حلمهم بإطاحة النظام الملكي وإعلان الجمهورية، الذي لم يستطيعوا المجاهرة به من قبل، حقيقةً بعد فوزهم الكبير في الانتخابات التشريعية التي جرت في نيسان الماضي.
كفاح مسلّح جاء نتيجة تصاعد الاضطرابات منذ اعتماد نظام التعدّد الحزبيّ في تشرين الثاني عام 1990 في هذه المملكة السابقة، وفشل حزب المؤتمر النيبالي بتأليف حكومة مستقرة في نهاية تسعينيات القرن الماضي.
الاضطرابات السياسيّة في تلك الفترة جعلت من الماويين النيباليين جزءاً مهماً من اللعبة السياسية الثلاثية الأطراف، بعدما تمكّن التحالف بين حزب المؤتمر النيبالي والحزب الشيوعي عام 1990 من أن يفرض على الملك بيرندا، عبر حركة شعبيّة، العمل وفق نظام ملكي دستوري مؤسس على ديموقراطية برلمانية.
غير أن الفصيل الراديكالي في الحزب الشيوعي النيبالي، لم يستسغ انحراف الحزب نحو البرلمانية، فنظّم قواه عام 1995، عبر تأسيس «الحزب الشيوعي النيبالي ــ الماوي» (PCN-M)، ليمثّل في ما بعد ذراعاً عسكرية له تجسّدت في «جيش التحرير الشعبي».
وما إن جاء عام 1996، حتى ظهر الماويون على مسرح الأحداث بقيادة باراشندا (أي الشرس)، الذي أعلن «الحرب الشعبية» في النيبال، بعد هجومه الأول في منطقة «رولبا» على بعد 300 كيلومتر من كاتماندو، بهدف إطاحة النظام الملكي الدستوري.
وتمكّن الماويون من بناء قواهم في غرب البلاد، التي أطلق باراشندا عليها اسم مهد الثورة. وقال، في إحدى المقابلات الصحافية سنة 2000، «لقد توصلنا إلى فهم تصوّر ماو تسي تونغ القائل إن المناطق القروية المتخلفة هي مهد الثورة ــ هي القاعدة الحقيقية للثورة. لقد رأينا في رولبا، ريكيم، غورخا، سندهولي وكابري، بذور المجتمع الجديد، النماذج التي ستلهم الشعب».
كما اعتمد الماويون على «تطويق المدن انطلاقاً من الريف»، ضمن ظروف طبيعية ملائمة للميليشيات الجبلية. واستهدفوا في نشاطهم الوجهاء والمرابين والمسؤولين الإداريين ورجال الشرطة. وعرف هؤلاء الثوريون كيف يلعبون على الثقافات القائمة ويبدون الوحيدين القادرين على أن يحملوا بقوة حالات الحرمان الاقتصادي وسط شعب غارق في التخلف ومدفوع إلى الهجرة في اتجاه الهندوتضمّن برنامج الماويون أربعين نقطة هي خليط من المطالب السياسية والاجتماعية ومن التطلّعات القومية ضد الأميركيين والهنود. فمن شعار «الأرض للفلاحين» إلى النضال ضد «مفهوم المنبوذين» وضد التمييز بين الطبقات، ومساواة الفتيات في موضوع الميراث والمساواة بين جميع لغات النيبال (تسيطر اللغة النيبالية إلى حد بعيد لكن هناك نحو 12 لغة أخرى)، كلها مطالب اجتماعية ثقافية حملتها الأيديولوجيا الثورية.
أما من الناحية السياسية، فأعلن باراشندا في بدايات الصراع أنه إذا ما تمكّن الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) من السيطرة على جزء مهم من البلاد، فإنه سيجري إعلان الجمهورية الشعبية النيبالية، دولة تعطي الحكم للشعب. غير أن الماويين تراجعوا عن مطلبهم بإقامة جمهورية شعبية في النيبال، مع عقدهم الاتفاقات في البرلمان من أجل الحصول على جزء من الكعكة، مكتفين بالدعوة إلى إلغاء الامتيازات الملكية، وإنشاء مجلس تأسيسي جديد.
ومع تولي الملك جيانندرا شاه العرش في عام 2001، كان الماويون قد وجهوا ضربات قاسية إلى النظام، فيما برهن حزب المؤتمر النيبالي الحاكم عن حالة من الضعف، وقد بدا منقسماً حيال السياسة التي يجب اتّباعها لمواجهة التمرد. واستقال رئيس الحكومة جيريجا براساد كوارولا في 19 تموز من العام نفسه، ليخلفه شير باهادور دويبا، الذي رأى أن الماويين يسعون إلى مخرج سياسي من الأزمة.
وتوصّل الماويون والحكومة إلى الاتفاق على وقف لإطلاق النار، وشرعا في عملية حوار، كان مصيرها الفشل، بعدما وافق دويبا على رزمة إصلاحات شملت بعض النقاط من البرنامج الاجتماعي للحزب الماوي، فيما عجز عن التنازل في موضوع المطالب المتعلقة بإلغاء الدستور لفتح الطريق أمام نظام جمهوري. وفي آخر تشرين الثاني 2001، عاود الماويون الكفاح في اتجاهين، سياسيّ عبر إضراب عام لمدة ثلاثة أيام، وعسكريّ عبر عمليات في مجمل البلاد استهدفت مباشرة العسكر.
ومع دخول 11 أيلول 2001 على خط الأحداث، أصبح «الثوار» «إرهابيين» وقرر الجيش أن يقضي عليهم بدعم من المستشارين الأميركيين، وذلك على أثر زيارة وزير الخارجية الأميركي كولن باول إلى كتماندو في 18 كانون الثاني عام 2002، التي قدّم فيها باول إلى الحكومة أسلحة خفيفة ودعماً مالياً.
حتى إن معظم الاستنتاجات التي تبعت مجزرة القصر الملكي عام 2001 لمّحت إلى تورط الملك الحالي جيناندرا المدعوم من الإدارة الأميركية في هذه المجزرة، ولا سيما أن واشنطن أخذت على الملك السابق عدم «جديّته» في قمع الحركة الماوية.
في المقابل، اعتمد الماويون سياسة مزدوجة، إذ طالب براشاندا للمرة الأولى بعقد مفاوضات حول طاولة مستديرة مع الأحزاب السياسية والقصر والجيش ما مثّل طريقة للاعتراف بدور للملك، وكثّف من جهة أخرى العمليات العسكرية في مقاطعات راح عددها يتزايد حتى وصلت في أواخر عام 2002 الى 55 من أصل 75. وفي أواخر كانون الثاني عام 2003، أعلن الماويون وقفاً جديداً لإطلاق النار. واتفقوا مع الملك في آذار على «نظام حسن نية» وهذا ما مثّل انتصاراً مهماً بالنسبة إلى الماويين الذين مارسوا اللعبة بمهارة؛ فالاتفاق يحدّ مبدئياً من لجوء الطرفين إلى العنف، ما قلّص من هامش المناورة أمام الجيش النيبالي وأضفى شيئاً من الشرعية على سلطة الحزب الشيوعي النيبالي ــ الماوي وعلى ذراعه العسكرية، جيش التحرير الشعبي.
وباستثناء المدن وسهل تيراي الخصيب في الجنوب، لم تعُد الحكومة تسيطر على البلاد التي وقعت تحت نفوذ الحزب الماوي؛ فقد أقام هذا الأخير حكومات شعبيّة على مستوى القرى والمقاطعات. ولم يعد بالتالي ممكناً تنظيم انتخابات جديدة، وجرى تمديد ولاية النوّاب المنتخبين عام 1999. فعرفت البلاد فترة اضطرابات كبرى، وصلت إلى حد تولّي الملك السلطات المطلقة، في أوّل شباط 2005.
إثر ذلك، تأسّس تحالفٌ من أجل العودة إلى الديموقراطية بين الأحزاب السياسية الرئيسية، بينها حزب المؤتمر النيبالي والحزب الشيوعي الماركسي اللينيني الموحّد للنيبال والماويين، وقد أطلق على هذا التحالف اسم «تحالف الأحزاب السبعة»، فيما كثّف «جيش تحرير الشعب» عمليّاته خلال شتاء 2006، وصولاً إلى انتفاضة شعبيّة غير مسبوقة شاركت الأحزاب جزئياً في تنظيمها ــ بما فيها الماويين ــ، لتنتهي بإقناع الملك أخيراً بالتنازل عن السلطة، وإعادة الحياة البرلمانية.
وفي تشرين الثاني عام 2006، عُقد اتفاق سلام بين الحكومة والماويين، ليضع حدّاً لعشرة أعوام من الحرب الأهلية، التي قُدّرت حصيلتها بـ13 ألف قتيل، ما سمح بوضع دستور مؤقت، ودخول الماويين إلى البرلمان خلال شهر كانون الثاني من العام التالي. كما نصّ الاتفاق على رقابة الأمم المتحدة على أسلحة وعناصر «جيش تحرير الشعب»، وصياغة دستور مؤقّت وتنظيم انتخابات من أجل جمعيّة تأسيسية.
جمعية تأسيسية كانت نتائجها بمثابة دويّ قنبلة. فخلافاً لكلّ التوقّعات، حقّق المتمرّدون الماويون السابقون انتصاراً كبيراً، ولا سيّما في الاقتراع الأكثريّ ضمن الدوائر الانتخابيّة (120 من أصل 240) وكذلك، ولو بنسبة أقلّ، في الاقتراع النسبي (30 في المئة من الأصوات تقريباً). وكان أول الغيث، إقرار البرلمان النيبالي بغالبية 270 صوتاً من أصل 329 إلغاء الملكية وتأسيس جمهورية فدرالية ديموقراطية ذات نظام برلماني.
ويبقى التحدي الرئيسي، بعدما استطاعت الحركة الثورية، التي انطلقت من الأدغال، طي صفحة الملكية التي استمرت قرابة الـ240 عاماً ووضع حجر الأساس للجمهورية، ألا تسكر بنشوة الانتصار.


ماويو الهندخطوات وجد فيها النائب السابق لمدير وكالة الاستخبارات الخارجية الهندية ف. بالاشاندران، « قضية حرب من أجل الأرض بين الطبقة العليا والطبقات الدنيا».
بدوره، رأى الكاتب المتخصص في شؤون الحركة الماوية، براكاش لويس، أن المتمردين الماويين في الهند ظلّوا يقودون تمرداً شعبياً على مدى 40 عاماً ضد الحكومة بغرض مكافحة الاستغلال وقيام مجتمع غير طبقي. ولفت إلى أن لدى المتمردين الماويين قاعدة مؤيدين وسط الطبقات الضعيفة والمقهورة، كما أنهم يجدون مجندين جاهزين وسط الطبقات المنبوذة في المناطق الريفية والقبلية، حيث يستولي المتنفّذون سياسياً على الأراضي.
قاعدة تمتد من حدود نيبال عبر الولايات الخلفية في شمال وسط الهند، من بيهار إلى جهاركاند، وجهاتسغار وأجزاء من أوريسا وأندهرا وبراديش ومهاراشترا المعروفة بـ«الشريط الأحمر»، إضافةً إلى أجزاء فعّالة في ولايات أخرى مثل ويست البنغال وأوتار براديش وتاميل نادو.
وتُعدّ دانتيوادا معقلاً للماويين الهنود الذين أصبح لهم في مناطق نفوذهم، دوائرهم الرسمية الخاصة وأنظمة قضائية تعمل باستقلالية تامة عن الإدارات العامة والمؤسسات التابعة للدولة.
كما أن هجماتهم أصبحت أكثر جرأة وقوة، مع اندماج أكبر جماعتين للمتمردين في الهند، وهما جماعة الحرب الشعبية ومركز الحركة الماوية، لتأسيس الحزب الشيوعي الماوي في الهند عام 2004.
ومع تسبّب الماويين في مقتل آلاف الأشخاص، بينهم مئات رجال الشرطة خلال العقود الثلاثة الماضية، وصف رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ التمرد بأنه أكبر تهديد للأمن الداخلي الهندي، في وقت استبعد فيه محلّلون أي بصيص أمل في حل سياسي، مشيرين إلى طبيعة أيديولوجيا الماويين الذين يرفضون الانتخابات ويؤيدون خطاً متشدداً في مواجهة الحكومة، التي تصّر على أنها لن تعقد محادثات سلام معهم، إلا إذا تخلوا عن العنف والسلاح.