حسام كنفانييُعدّ إعلان قبول سوريا زيارة وفد مفتشي الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة سابقة في التعاطي الدولي عموماً، والأميركي خصوصاً، مع دمشق. مفتشون دوليون في عاصمة الأمويين. المشهد قد يكون ذكرى لمفتشين صالوا وجالوا في عاصمة العباسيين طويلاً قبل أن يقرروا أن لا شيء واضحاً عن مشروع نووي عراقي يحضّر له الرئيس الراحل صدام حسين. غير أن قرارهم لم يؤثّر في «القناعة» الأميركية أن لصدام ما يخفيه في المساجد والمدارس والقصور الرئاسية، وانطلق الغزو ليؤكد ما وصل إليه المفتشون: لا برنامج نووياً.
اليوم سوريا قد تكون على أعتاب الدخول في نفق التفتيش الدولي. نفق لا يكون في العادة مريحاً، ومسافته لا تنفك تطول مع الوقت، وظلمته تشتد حلكة. الغارة الإسرائيلية على الموقع في دير الزور كانت البداية، والتسريبات الأميركية اليومية في الفترة اللاحقة، مهّدت لتدخل وكالة الطاقة على خط ما يسمّى «البرنامج النووي السوري».
الحديث عن مثل هذا البرنامج قد لا يكون جديداً. ولمن تسعفه الذاكرة، يمكنه استرجاع التصريحات الأميركية في الفترة اللاحقة لسقوط بغداد ونظام صدام حسين والفشل في العثور على أثر للبرنامج النووي العراقي. يومها تسابق مسؤولو الإدارة الأميركيّة للإشارة إلى أن صدام هرّب مصانعه وخبراءه، إضافة إلى عائلته ومسؤولي نظامه، إلى سوريا.
الحديث أخذ حيّزاً واسعاً في الإعلام في حينه، ثم ما لبث أن اختفى بين أكوام الجثث التي أخذت بالتساقط يومياً في عاصمة العباسيين، غير أن الغارة الإسرائيليّة أحيته وفتحت باباً جديداً للضغط على سوريا، بعدما استنفدت الإدارة الأميركية حججها السابقة في «مشروع المحاسبة» وانهارت عناوين «التدخل السوري في العراق ولبنان وفلسطين»، ولم تعد مادة سهلة الترويج.
التفتيش يبدأ في الثاني والعشرين من الشهر الجاري، غير أن نهايته قد لا تكون معلومة، ونتائجه قد تكون مادة سجال طويلة الأمد بين سوريا وما يسمّى المجتمع الدولي، ولا سيما أن الإدارة الأميركية بدأت تعدّ لما بعد التفتيش الأول، الذي من المقرّر أن يتفحّص صدقيّة الرواية الإسرائيلية والأميركية بأن منشأة دير الزور كانت مفاعلاً لإنتاج البلوتونيوم بنته سوريا بمساعدة كورية شمالية، غير أن دمشق لا تزال تصرّ على أن الموقع قاعدة عسكريّة قيد الإنشاء.
إثبات المفتشين صحة الرواية السورية لا يعني أن الأمور قد تنتهي عند هذا الحدّ، ولا سيما أن واشنطن بدأت الحديث عن ثلاثة مواقع إضافية مشتبه فيها، ترغب من فريق التفتيش زيارتها. في المقابل، تصرّ دمشق إلى اليوم على أن مهمة الوفد ستقتصر على الموقع المستهدف.
الرفض سيكون محل سجال مرحلة ما بعد زيارة الوفد، ولا بدّ أن دمشق على قناعة بأن القبول بتفتيش المواقع الثلاثة المطلوبة سيفتح الباب أمام المزيد من الطلبات للمزيد من المواقع.
نفق التفتيش لا يزال في بدايته، وشهادة براءة سوريا من السعي إلى سلاح نووي ليست مضمونة في النهاية.