حسام كنفانيأمام هذا المعطى، فإن أي نجاح للحوار لا بد أن يكون نتيجة متغيرات طرأت على هذين التفصيلين الأساسيين اللذين أعاقا تطبيق اتفاق مكة في شباط 2007. إلى اليوم، لا يبدو أن في برنامج حركة «حماس» الكثير من المتغيّرات، رغم بعض المرونة التي تبديها تجاه التهدئة مع إسرائيل أو حتى منع قصف المعابر، إلا أن الحركة لم تعدّل من استراتيجيتها العامة أو إيديولوجيتها الرافضة للدولة الدائمة على حدود عام 1967.
إذاً لا بد من تحوّل في برنامج السلطة ليكون للحوار فرصة. ويبدو أن التحوّل في طريقه إلى التبلور. وهو لم تفرضه مراجعة نقدية للمسار السياسي الذي انتهجته خلال السنوات الماضية، بقدر ما فرضته طبيعة التعاطي الأميركي والإسرائيلي مع الهدف الذي وضعه عبّاس نصب عينيه منذ تسلّمه الرئاسة خلفاً للزعيم الراحل ياسر عرفات (أبو عمار)، وهو الوصول إلى اتفاق سلام نهائي وإقامة الدولة الفلسطينية على الضفّة الغربية وقطاع
غزة.
اتفاق وُضع سقف زمني له نهاية العام الجاري، وعلى هذا الأساس سار عبّاس وراء السراب الأميركي والإسرائيلي، معطياً ظهره لدعوات الحوار الداخلي وإنهاء الانقسام. إلا أن الوضع اليوم يبدو مختلفاً، ولا سيما بعدما سمع الرئيس الفلسطيني خطاب المرشح الديموقراطي باراك أوباما أمام «إيباك»، وبعدما انتظر كلمة، لم تنطق، عن اتفاق نهاية العام خلال قمّة الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت.
حدثان، انضمّا إلى سلسلة من تراكمات الفشل التفاوضي على مدى الأشهر الماضية، دفعا عبّاس إلى خطابه المفاجئ، الذي لم يكن مقرّراً من قبل وأُلبس مناسبة الذكرى الحادية والأربعين لعدوان عام 1967، رغم أن الرئيس الفلسطيني لم يعتد إلقاء خطب في هذه المناسبة سابقاً.
خطاب حمل رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، قبل أن يكون هادفاً إلى إنهاء الانقسام الداخلي بهذه البساطة ومن دون سابق إنذار. ويبدو أن عباس أراد أن يلوّح بخيارات بديلة يستطيع انتهاجها في مواجهة التهميش الذي يعتري مسار المفاوضات. خيارات يسعى من خلالها الرئيس الفلسطيني إلى استدراج جديّة إسرائيلية وأميركية في العمليّة السلمية، وإلا فالتحالف مع «حماس» وتعديل استراتيجية السلطة سيكون هو التوجّه البديل.
الرسالة، وإن كانت تحمل الكثير من الجديّة، وقوبلت بموجات ترحيب داخلية وخارجية، إلا أنها لا تزال تطرح سؤالاً جوهريّاً عن مدى قدرة عبّاس على المضي إلى النهاية في تحدّي الرغبة الأميركية والتضحية بأموال المساعدات الدولية المخصّصة لسلطته، والتي يؤمّن من خلالها الرواتب لآلاف من موظفي السلطة.
من المرجّح أن عباس سيمضي في الإعداد للحوار الداخلي بالجديّة التي أعلن عنها، لكن نتائجه ستكون رهن المواقف الأميركية والإسرائيلية من رسالة أبو مازن التصالحيّة.