«مؤسّسة الرئاسة صمّام أمان» يمنع انفجار الوضع في أبيي
معمر عطويوفي الحقيقة، أن منطقة أبيي ليست هي موقع النزاع الفعلي، بل منطقة عموديات، وهي واقعة في الشمال وفق تقسيم عام 1905. هذا ما أوضحه لـ«الأخبار» أمس، مستشار الرئيس السوداني، عبد الله علي مسار، الذي يزور بيروت، والذي حدَّد أساس الخلاف بالنزاع على التبعيّة: «هل منطقة عموديات شمالية أم جنوبية تتبع لأبيي؟».
سبب الخلاف برأي مسار هو «أطماع الدول العظمى في إنتاج البترول والاستفادة من هذه المنطقة لضمّها إلى جنوب السودان». لذلك يرى أن الوفد الأميركي الذي يجري مفاوضات مع الخرطوم من أجل تطبيع العلاقات الأميركية ـــــ السودانيّة، قد أوقف نشاطه «بناءً على تعليمات من واشنطن، على خلفية أحداث أبيي»، مشيراً إلى أن رفض الخرطوم لعرض الوفد الأميركي وساطته بين الشمال والجنوب، دفع الأميركيين لإيقاف المحادثات. محادثات كان قد اتُّفق عليها في روما قبل أسابيع، وترمي إلى تطبيع العلاقات بين السودان والولايات المتحدة، ورفع اسم السودان عن لائحة الدول الداعمة للإرهاب، وتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين.
أمّا رفض الخرطوم لهذه الوساطة، فيشير المستشار الرئاسي السوداني إلى ان الخرطوم تعتزم حلّ مشاكلها الداخلية ذاتيّاً من دون أي تدخل أجنبي. ولعلّ «أكثر النقاط حساسية في تناول قضية أبيي»، بحسب المسؤول السوداني، أن عدداً كبيراً من أبناء المنطقة، هم قادة في الحركة الشعبية الجنوبية التي خاضت معارك طويلة مع الجيش السوداني خلال سنوات الحرب بين الشمال والجنوب. وينتمي هؤلاء إلى قبيلة الدينكا قوك، ويتفاوضون باسمها، في مقابل حضور كبير لقبائل عربية (المسيرية والرزيقات)، التي تتحالف تاريخياً مع الحكومات السودانية المتعاقبة. فالحركة الشعبية ترى أن أبيي كانت تابعة لمديرية بحر الغزال في الجنوب، ولكن الحاكم العام البريطاني ضمّها إلى مديرية كردفان في الشمال، بقرار إداري في عام 1905.
ويوضح مسار أن ما عزّز النزاع في الفترة الأخيرة، هو استئثار الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة، بحل الخلاف على طريقته. إذ إن المفروض هو تأليف لجنة خبراء تضم 15 خبيراً: 5 منهم من قبيلة الدينكا و5 من قبيلة المسيرية و5 خبراء دوليين. لكن الخبراء الدوليين اتخذوا قراراً منفردين، من دون مشاركة ممثّلي القبيلتين، بتحديد تبعية العموديات إلى أبيي، وفق تقسيم عام 1956. ووصف مسار هذا القرار بأنه «تجاوزٌ للحدود».
كيف يمكن حلّ هذه المشكلة، وهل من الممكن أن تعيد تفجير النزاع عسكرياً بين الشمال والجنوب؟ يجيب مسار بأن «المشكلة الآن أمام استحقاقين: الأول يتمثل بالاستفتاء المقرَّر إجراؤه في عام 2011، الذي تتحدَّد بموجبه تبعيّة المنطقة. والثاني هو مسألة التحكيم الدولّي المرتقبة.
وما بين الاستحقاقين يكمن الحلّ كما هو مطروح، «تأليف إدارة مشتركة بين المؤتمر الوطني الحاكم في الخرطوم والحركة الشعبية في الجنوب، من أجل إدارة المنطقة».
وفي ما يتعلق بإمكان عودة شبح الحرب ليخيّم على المنطقة، يرى مسار أنه رغم إصرار الحركة الشعبية على إعادة رسم حدود منطقة أبيي، لكن «الجنوبيين ليس لهم مصلحة في أي نزاع مسلح».
أمّا ضمانة هذه الفرضيّة فيحددها مسار بالعلاقة القويّة داخل مؤسسة الرئاسة؛ يقول إن الرئاسة المؤلفة من الرئيس عمر البشير ونائبيه الجنوبي والشمالي تمثّل «صمام أمان للنزاع».
مسار، الذي يرأس «حزب الأمة ـــــ القيادة الجماعية ـــــ الأمانة العامة» والمنشق عن حزب الصادق المهدي، يرفد كلامه على هذه الضمانة بالإشارة إلى أهمية البعد القبائلي في ذلك، لانتماء نائب الرئيس الجنوبي، جون سلفا كير، إلى قبيلة الدينكا، القبيلة الأكبر في الجنوب، حيث يتمتع بشعبية كبيرة، إلى جانب نفوذه الواسع داخل الحركة الشعبية، وهو أحد أهم مؤسّسيها، وكان مسؤولاً عسكرياً واستخبارياً فيها. انطلاقاً من هذا المعطى، يستنتج المستشار السوداني «أن المؤسسة الحاكمة هي القابضة على الأمور».
وفي ما يتعلّق بحركة العدالة والمساواة، التي شنّت الشهر الماضي هجوماً عسكرياً على أم درمان مستهدفة العاصمة الخرطوم، يوضح مسار أن هذه الحركة مدعومة من تشاد، وهناك علاقة نسب بين الرئيس التشادي إدريس ديبي وبعض أقطاب هذه الحركة. وجُلّ عناصرها من مخيمات اللاجئين الدارفوريين. كما أن معظم قادة العدل والمساواة، من تلاميذ زعيم المؤتمر الشعبي المعارض، حسن الترابي والمعجبين بأفكاره التغييرية. غير أن هذه الحركة التي بدأت نشاطها بغزارة «لم تعد قادرة على فعل شيء»،
وذلك للأسباب التالية: «لقد فقدت الحركة كل عناصرها المقاتلة (بين قتيل وجريح وأسير)، وفقدت كل قوّتها العسكرية. كما فقدت كل المعلومات الاستخبارية التي كانت بحوزة كوادر أصبحوا في أيدي الاستخبارات السودانية. بمعنى أنها فقدت ركيزتها الفنية والعسكرية والأمنية».
يوافق مستشار الرئيس السوداني على توصيف هذه الحركة بأنها «جناح مُسلَّح لحزب الترابي، لكن بشكل سرّي، لأنها تتبرأ من أي علاقة بالمفكر الإسلامي السوداني. رغم أن المؤتمر الشعبي هو الحزب السوداني الوحيد الذي لم يدن الهجوم على أم درمان».