القاهرة ــ الأخبار وصلت فتنة دير أبو فانا إلى حدّ الشد والجذب. الجميع في انتظار خطوة الحل. يحاول كل طرف تجميع أكبر قدر من أوراق الضغط. قبضت أجهزة الأمن في ملوي (المدينة التابع لها الدير)، أمس، على أقباط بحوزتهم أسلحة شخصية عبارة عن مسدس صغير من المعتاد حمله في جنوب مصر (الصعيد).
في الوقت نفسه، كانت النيابة قد استدعت في اليوم السابق أربعة مسلمين بتهمة إطلاق النيران على الرهبان أثناء محاولة منع بناء السور حول الدير. ولا يزال المقاول الذي كان يبني السور معتقلاً بتهمة قتل مزارع مسلم أثناء تبادل النيران.
من جهة أخرى، التقى البابا شنودة بطريرك الكرازة المرقسية بالأنبا ديمتريوس، أسقف ملوي، ليطلعه على الأحداث التي تمت أثناء غياب البابا في رحلة علاج إلى أميركا استمرت ١٢ يوماً. الأسقف روى ما حدث وقدم وثائق وطلب «الحماية»، على حدّ رواية أحد مرافقي الأنبا ديمتريوس.
الملف أمام البابا في حالة دراسة، وهو ما يفسر التجاهل الذي تعامل به القائد الروحي للأقباط مع ما حدث في دير أبو فانا في المنيا، حيث التزم الصمت خلال حفل استقباله في الكاتدرائية، مكتفياً بالحديث عن رحلته. كما أرجأ زيارة الرهبان المصابين في الأحداث.
صمت البابا أثار التساؤلات عمّا سيكون عليه الموقف الرسمي في الكنيسة. فالمراقبون توقعوا أن تتخذ الكنيسة موقفاً متشدداً سريعاً، وخصوصاً أن هجوم المزارعين البدو ارتبط بحادثتي الاعتداء على محلي مجوهرات في حي الزيتون (شرق القاهرة) والإسكندرية. توقع بعض المراقبين سيناريو أكثر تطرفاً، وهو أن يعلن البابا اعتكافه في دير وادي النطرون، وهي رسالة احتجاج عنيفة تعرفها أجهزة نظام مبارك ومعتادة على تلقي مثلها في أزمات سابقة أشهرها اختفاء وفاء قسطنطين، زوجة أحد القساوسة التي طلبت تغيير ديانتها والتحول إلى الإسلام، لتطلّق من زوجها الذي كان ذا رتبة كنسية كبيرة في إحدى مدن الدلتا.
يبدو أن البابا لا يزال يدرس الملف جيداً، وخصوصاً أنه معقّد هذه المرة، حيث ستوجه تهم جنائية ربما لبعض الرهبان. كما أن هناك قتيلاً بين صفوف المسلمين، ما يعني أن مساحة المساومات ستتسع قبل الوصول إلى صفقة للتسوية، من المتوقع خلالها تعويض البدو عن أرض الدير والتعامل بحكمة مع الاتهامات الجنائية.
سيكون الأمر مجرد نهاية لفصل من فصول الفتنة النائمة دوماً تحت رماد السيطرة الحكومية على المشاحنات الطائفية. هذا إذا لم يقرّر أي طرف التصعيد المفاجئ، وهي احتمالات ضئيلة للغاية.
إلاّ أن الشعور بوجود نار تحت الرماد لا يزال قوياً. ويتردّد أن أجهزة الأمن بحثت، أمس، في مزرعة دير أبو فانا عن أسلحة، وهي إشارة تُرجع الأحداث إلى نقطة الكشح، حيث شهدت قرية أخرى ليست بعيدة كثيراً عن موقع الأحداث الأخيرة معركة كادت أن تشعل حرباً أهلية في الصعيد.
ردّ فعل البابا سيكون إشارة قوية، فهو القائد الروحي. والجماهير التي استقبلته أوّل من أمس ردّدت هتافات «بالطول بالعرض... البابا زي الورد». وحتى الآن، تبدو الخطوة النهائية نحو حلّ متوازن على غرار اقتراح مجلس الشعب بيع أرض للدير بعمق ٥ كيلومترات، وهو ما عارضه نواب آخرون، مشيرين إلى أن هذا تكريس لمبدأ الدولة داخل الدولة.
من ناحيتها، تلعب أجهزة النظام بمنطق الصفقات مع البابا شنودة الذي اختارته وعدّته ممثلاً للأقباط، فأراحته في قانون الأحوال الشخصية، وأقرت التعديلات على اللائحة التي اعتمدها المجلس المالي عام ١٩٣٨، وهي تقوية سلطة البابا على طلاق المسيحيين. نشرت التعديلات في الجريدة الرسمية، ورأتها مصادر قبطية علمانية «نكسة جديدة ضد مستقبل الأسر المسيحية».