بدا رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة، إسماعيل هنيّة، مرتاحاً لدعوة الحوار التي أطلقها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، غير أنه رفض، في حوار مع «الأخبار»، أن تكون الانتخابات المبكرة شرطاً للحوار، داعياً إلى صيغة تصالحيّة على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، وأكد استعداد حركته لمواجهة أي عدوان إسرائيلي مرتقب على قطاع غزّة، موجهاً رسائل إلى أميركا وإسرائيل والاتحاد الأوروبي والدول العربية
أجراها: حسام كنفاني

■ ما هو موقفكم من دعوة الحوار التي أطلقها الرئيس محمود عبّاس؟

ـــ لقد دعونا إلى الحوار منذ اللحظات الأولى للأزمة، وعبرنا في أكثر من مناسبة عن رغبتنا وقناعتنا بهذا الخيار، ورأينا أنه لا سبيل لمعالجة الأوضاع التي طرأت على ساحتنا إلا بهذه الطريقة. وقد تجاوبنا مع كل الوساطات الفلسطينية والعربية، وأبدينا مرونة كافية مع كل الأطراف التي أجرت معنا اتصالات سريّة أو علنية، وشجّعنا العديد من الأطراف على سرعة التحرك من أجل الخروج من واقع الأزمة لقطع الطريق على التدخلات الخارجية والمخططات الإسرائيلية. وإننا نرى أن الأزمة الداخلية على صعوبتها، يمكن معالجتها جذرياً والخروج منها إلى فضاء أفضل إذا ما توافرت النوايا الصادقة، والإرادة الحقيقية، بل نحن قادرون على إحداث نقلة نوعية على هذا الصعيد، وعلى إدخال الفرحة لكل بيت فلسطيني، وتكفيف الدموع ووضع حد للآلام وإنهاء القطيعة، وبداية عهد جديد، واستئناف مسيرة العمل المشترك. رحبنا بدعوة الرئيس أبو مازن إلى إجراء حوار وطني شامل، وننظر بإيجابية إلى الروح الجديدة التي ظهرت في الخطاب، ونؤكد على موقفنا الداعي إلى البدء الفوري في حوار وطني شامل، تأكيداً لوحدة الوطن الفلسطيني أرضاً وشعباً وسلطة واحدة، ومعالجة كل القضايا العالقة وملفات الحوار الداخلي، مع تأكيد استعدادنا لإنجاز الحوار وإنجاحه في أسرع وقت ممكن، وإبداء المرونة اللازمة والمطلوبة من الجميع.
يجب أن تكون المصالحة الوطنية على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، وتغليب المصلحة العليا لشعبنا الفلسطيني والتحرر من الإرادة الأجنبية. للأسف، التأثير الخارجي في هذا الموضوع كبير، وهناك اعتراض أميركي ـــ إسرائيلي على أي تقارب فلسطيني، وهناك تصريحات واضحة أن أي تقارب داخلي ستكون له انعكاسات سلبية على المفاوضات الجارية، ولذلك تنسحب هذه الانعكاسات على الحوار الداخلي والمصالحة الوطنية.

■ هل تقبلون بانتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة كما يطالب الرئيس الفلسطيني؟

ـــ إن أي انتخابات مبكرة لا بد أن يتوافر لها شرطان، الأول هو التوافق الوطني، وثانياً أن تتم وفق القانون. وما يطرح الآن لا يلبي هذين الشرطين. وهناك استحقاق للانتخابات الرئاسية من المفترض أن يتم في كانون الثاني المقبل لانتهاء فترة الرئيس، ولذلك لا صحة للحديث عن انتخابات رئاسية مبكرة. ونقول إن طرح انتخابات تشريعية يمكن أن يكون على طاولة المفاوضات الداخلية، ولا يمكن أن يكون شرطاً لها.

■ مفاوضات التهدئة مع إسرائيل تبدو في حال مراوحة، ما هي خيارات «حماس» والحكومة في حال فشلها؟

ـــ نحن قبلنا بالمبادرة المصرية بشأن التهدئة، التي تنص على تهدئة متبادلة متزامنة شاملة، تبدأ في غزة وتنتقل إلى الضفة في وقت لاحق، في مقابل وقف كل أشكال العدوان وإنهاء الحصار وفتح كل المعابر. وإذا واصلت إسرائيل وضع العراقيل والشروط في وجه تحقيق هذه المبادرة، فشعبنا له خياراته المتعددة ولن نبقى مكتوفي الأيدي.

■ ما مصير صفقة تبادل الأسرى بالعريف الإسرائيلي جلعاد شاليط؟ وما مدى ارتباطها بمفاوضات التهدئة؟

ـــ إن مصير هذه الصفقة مرتبط أساساً بالاحتلال ومدى تجاوبه مع الفصائل الآسرة للجندي جلعاد شاليط، في مطالبها العادلة نحو صفقة مشرفة تضمن إطلاق سراح نوعيات معينة من الأسرى لا يمكن إطلاق سراحهم إلا بهذه الطريقة، وهذه القضية غير مرتبطة بالمطلق بموضوع التهدئة، لأن استحقاق كل منهما مختلف عن الآخر.

■ هل تتوقعون عدواناً واسعاً على غزة، وكيف ستواجهونه؟

ـــ لا نستبعد قيام الاحتلال بأي جريمة، ودائماً نتوقع الأسوأ منه، ومن ذلك توسيع عدوانه على قطاع غزة، وإذا ما فرض على شعبنا وفصائله المقاومة، فإن من حق الشعب أن يدافع عن نفسه، وبالتأكيد لن يكون قطاع غزة لقمة سائغة للاحتلال، مع اعتقادنا أن الأزمات المتتالية التي تعصف بالاحتلال، بدءاً بتقرير «فينوغراد» إلى فشل المحرقة في غزة، وانتهاءً بملف الفساد الذي يلاحق (رئيس الوزراء إيهود) أولمرت، تقف عوائق أمام أي مغامرة متعلقة بالقطاع.
إن موازين القوى تغيرت كثيراً في المنطقة، وأسطورة الجيش الذي لا يقهر تهاوت، ولم تعد إسرائيل تلك اليد الطولى التي تستخدمها الولايات المتحدة وقوى الاستعمار لتحقيق أهدافها، وإذا ما قرر قادة إسرائيل الخوض في مغامرة من هذا النوع، فإن النتائج قد لا تكون لصالحهم.

■ إلى أي مدى استفدتم من تجربة حزب الله في جنوب لبنان خلال عدوان تموز؟ وهل تعتقدون أن ما نجح فيه حزب الله في لبنان يمكن نقله إلى غزة؟

ـــ نستفيد من أي تجربة مقاومة حالية أو سابقة، ولكن هناك فرقاً بين الاستفادة من تجارب المقاومة، بما فيها تجربة الإخوة في حزب الله رغم فوارق الجغرافيا، وبين ما يشاع عن تدريب وتنسيق وتسليح. ونحن نقدّر بأن يكون قطاع غزة منيعاً أمام أي عدوان وصامداً في مواجهة أي اجتياح.

■ المعروف أن الشارع الغزاوي تعرض لضغوط اقتصادية ومعيشية هائلة، إلى أي مدى ما زلتم تعوّلون على اصطفاف الشارع معكم؟

وهل تعتقدون أن رهانات انفجاره في وجهكم مستندة إلى أسس؟
ـــ لا شك في أن الضغوط التي تمارس على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة كبيرة للغاية، وحال الحصار غير المسبوقة متزامنة مع عدوان جوي وبري يومي، يمثّل تضييقاً على حياة المواطنين، ولكن الرهان على ثورة شعبية في مواجهة الحكومة هو رهان خاسر، وذلك لأسباب عديدة: أولاً، نحن جئنا إلى الحكم بإرادة الشعب وبغالبية كبيرة. ثانياً، يعلم الشعب الفلسطيني أن السبب في معاناته هو الاحتلال، وأن الحكومة تبذل كل جهودها للخلاص من هذه الأزمة والتخفيف من آثار العدوان. ثالثاً، توفّر الجماهير حاضنة أساسية لبرنامج المقاومة ومشروعها الذي اختطه الشعب لنفسه ولبرنامج التغيير والإصلاح الذي نعمل عليه. رابعاً، إن أي انفجار إذا وقع لن يكون في وجه الحكومة، بل في وجه الاحتلال الذي يحاصر شعبنا.

■ كيف تتمكن حكومتكم من تأمين التزاماتها المالية؟ وما صحة الكلام عن تلقيكم أموالاً من جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر ومن إيران؟

ـــ لقد نجحت الحكومة في سياسة مالية جديدة في تأمين الأموال اللازمة لإدارة الحكم، بعيداً من الأموال المسيّسة التي تدفع في مقابل مواقف وتنازلات. ولم نقترض قرشاً واحداً من أي مصرف، ولم نتلق أموالاً من دول غربية أو الدول المانحة، ولكن عبر سياسة ضبط مالي وتقليص النفقات نكتفي إلى حد كبير بالموارد الحالية الأساسيّة للسلطة الوطنية ومداخليها الداخلية، فضلاً عن بعض الخيرين في هذا العالم الذين يمدون أيديهم لشعبنا. ونحن لنا علاقات طيبة مع الكثير من الدول العربية والإسلامية، بما فيها الجمهورية الإسلامية في إيران، ومن حقنا على إخواننا وأبناء أمتنا في كل مكان أن يمدوا لنا يد العون والمساندة السياسية والمالية والإعلامية.

■ ما حقيقة العلاقة بين «حماس» و«جيش الإسلام» بعد ظهور ارتباطه بتنظيم «القاعدة»؟ وكيف تردون على التهم الموجهة إليكم بتسهيل عمل «القاعدة» في قطاع غزة؟

ـــ إن علاقتنا مع أي تنظيم فلسطيني هو بمدى التزامه بالتعاون، هذا هو المبدأ الذي نسير على أساسه مع كل التنظيمات الفلسطينية، ولكن لا وجود لـ«القاعدة» في قطاع غزة، وما نسب له من بيانات عن هذا الموضوع مفبركة وغير حقيقية، وإثارة هذه القضية جاءت لاستجلاب تدخل دولي ضد القطاع في إطار المناكفات الداخلية من بعض أطراف من السلطة في رام الله.

■ ما وضع «حماس» في الضفة الغربية؟

ـــ لا شك في أن الهجمة كبيرة على الحركة في الضفة، وللأسف يديرها الاحتلال وأجهزة السلطة، وهناك عمل ممنهج لضرب خيار المقاومة. ومع ذلك، فإن الانتخابات التي جرت أخيراً في جامعات الضفة سجلت تقدماً وحضوراً قوياً لأبناء الحركة، ما يدلل على أن الرهان على إسقاط «حماس» خاسر.

■ هل خيار السيطرة على الضفة الغربية ضمن «أجندتكم» في حال تعثّر الحوار ومحاولة السلطة الانقضاض عليكم هناك؟

ـــ إن خيار السيطرة على القطاع بهذه الطريقة لم يكن في أجندتنا أصلاً، ولكنه عمل اضطراري وتدرج في أوضاع ميدانية أفضت إلى ما حدث، وبالتالي نحن نأسف وندين تغوّلات الأجهزة الأمنية على أهلنا وحركتنا في الضفة، ونراها إجراءات غير قانونية وغير شرعية وفقدت أي مسوّغ وطني، وخاصة ملاحقة الأخوات وأهالي الأسرى وذوي الشهداء، ولكن رغم ذلك نقول إن الحل هو بالحوار لا عبر الانتقام الذي يمارس في الضفة.

■ ما حقيقة الحديث عن أجنحة متشدّدة ومعتدلة داخل «حماس» في غزة؟ والحديث عن خلافات بين «حماس» الداخل والخارج؟

ـــ هذا جزء من الحرب الإعلامية التي تشن ضد الحركة وتروجه أطراف تريد خلق مثل هذا الخلاف، ولكن لا وجود له. القرار يتخذ في أروقة الحركة، وهذه التيارات غير الموجودة أصلاً، وأن يكون داخل الحركة آراء وحوارات فهذا وضع طبيعي لحركة كبيرة، ولكن في النهاية القرار يصدر عن شورى، والكل يلتزم به ويعمل على أساسه.

■ ما الرسالة التي ترغب في توجيهها إلى كل من: الولايات المتحدة، إسرائيل، الاتحاد الأوروبي، الدول العربية؟

ـــ أولاً نقول للولايات المتحدة إن محاولاتها للهيمنة على المنطقة وفرض إملاءاتها باءت بالفشل، وتبشر بفشل مشروعهم في الشرق الأوسط الكبير أو الصغير، وعليهم قراءة الدافع والنتائج بصورة مغايرة.
ثانياً نقول لإسرائيل إن القوي لن يبقى قوياً للأبد، والضعيف لا يبقى ضعيفاً، والأيام دول، ومعادلة المنطقة تغيرت، ولن يستطيعوا تركيع الشعب الفلسطيني أو انتزاع المواقف منا عبر العدوان والحصار، وعليهم أن يدركوا أن هذه الحكومة مختلفة عما عهدوه من حكومات، وأن شعبنا مصمم على استعادة حقوقه كاملة غير منقوصة والاحتلال إلى زوال.
ونقول للاتحاد الأوروبي إن هناك فرقاً بين السياسة الأخلاقية وسياسة العدوان والمؤامرات، وإن استمرار اتباعهم المواقف الأميركية والإسرائيلية والنظر إلى المنطقة وفق النظرة الإسرائيلية يفقدهم البعد الأخلاقي في السياسة، والصمت على ما يجري هو مشاركة في المؤامرة، ونأمل في دور أوروبي أخلاقي فاعل في المنطقة.
الدول العربية نقول لها نحن وأنتم أمة واحدة، ولنا عليكم حق النصرة، وما بيننا هو دماء حارة لا ماء، وواجب التدخل لإنقاذ شعبنا أمانة في أعناقكم، ولا عذر لمن يتخلى عن هذا الدور، عيوننا تتطلع إليكم، وأفئدتنا معكم، فلا تخذلوا شعبنا، فقضية فلسطين هي قضية عربية وإسلامية، ويجب عدم التخلي عن الواجب الشرعي والقومي والوطني تجاهها.
وختاماً فإني أتوجه إلى شعب لبنان الشقيق بالتحية والتقدير، ولأبناء شعبنا الذين يعيشون في مخيمات لبنان بالتحية والعهد والوفاء والالتزام بعدم التنازل أو التفريط، وخصوصاً في حق العودة إلى الأرض والديار، نرفض التوطين أو التعويض ونحمي حقنا ولو بعد حين.


«الدوحة» يختلف عن «مكّة»

في تعليقه على الأحداث اللبنانية الأخيرة واتفاق الدوحة، قال رئيس الحكومة الفلسطينية المقال، إسماعيل هنيّة، إن «موقفنا الدائم أننا مع وحدة كل الشعوب العربية، وأن حل الخلافات الداخلية في الأمة وأقطارها يجب أن تغلب فيه لغة الحوار، وتجنيب الشعوب الصراع، وفي الوقت نفسه حماية برامج المقاومة والممانعة في مواجهة الاحتلال والإرادة الأميركية والإسرائيلية. ونعتقد أن اتفاق الدوحة تاريخي من حيث الزمان والمكان، استطاعت فيه الأطراف المختلفة تجاوز خلافاتها والتوصل إلى حل وسط على قاعدة لا غالب ولا مغلوب لبنانياً، ولكن هناك مغلوباً هو الفتنة التي وقفت وراءها الإدارة الأميركية والكيان الصهيوني».
وعن وجه التشابه بين اتفاقي الدوحة ومكّة، قال هنيّة «أردنا اتفاق مكة اتفاقاً نهائياً. ينهي كل أشكال التوتر والخلاف في الساحة الفلسطينية، ولكن هناك أطرافاً دولية أرادته مجرد تهدئة للتمهيد لمحاولات اجتثاث حركة حماس من الحكم. وكان واضحاً رفض الإدارة الأميركية للاتفاق وإبقاء الحصار السياسي والاقتصادي، رغم تأليف حكومة الوحدة الوطنية. وهنا الفرق مع اتفاق الدوحة الذي رحبت به كل الأطراف المؤثرة وتعمل على إنجاحه».


يُعدّ إسماعيل هنية (45 عاماً) أحد القيادات السياسية الشابة في حركة «حماس». ينحدر من أسرة فلسطينية لاجئة من قرية الجورة في مدينة عسقلان المحتلة، ولد في مخيم الشاطئ في غزة. اعتقل أكثر من مرة في السجون الصهيونية، وأبعد عام 1992 إلى مرج الزهور في الجنوب اللبناني مع 415 من قيادات «حماس» و«الجهاد الإسلامي». يشتهر بهدوئه ومواقفه المعتدلة.تعرّض لمحاولة اغتيال في السادس من أيلول عام 2003.