ربى أبو عمومع اندحار آخر جندي روسي عن ألمانيا عام 1994، بعد توحيد الألمانيتين، الشرقية والغربية، حذّر الكاتب ويليام سافير من مستقبل سيشهد تحالفاً معادياً للغرب بين برلين وموسكو، قائلاً إن «القومية الألمانية والروسية ستكبران معاً». كاتب آخر تحدث عن سياسة «التغيير نحو التقارب»، التي انتهجتها ألمانيا في عام 1963، وكان المقصدود بالتقارب انفتاح ألمانيا على دول أوروبا الشرقية لتنتهي بما يسمى «العلاقة المميزة» بين موسكو وبرلين.
من هنا لا يبدو مستغرباً أن تكون ألمانيا هي الدولة الأوروبية الأولى التي يزورها الرئيس الروسي الجديد ديمتري ميدفيديف؛ فبرلين يجب أن تكون ضمن أولويات الكرملين، في إطار السياسة الاستراتيجية التي تنتهجها روسيا، عدا عن الملفات الشائكة بينها وبين الغرب.
خلال الفترة التي شهدت وحدة ألمانيا، هلّل صانعو السياسة للدور البنّاء الذي أداه آخر رؤساء الاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، والرئيس الروسي الأوّل بوريس يلتسين. ويمكن تحديد بدء العلاقات الروسية ـــ الألمانية في عهد المستشار الألماني غيرهارد شرودر، لتبلغ ذروتها في عهد الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين، الذي استطاع وشرودر صياغة علاقة شخصية مميزة. ففي حين كان المستشار الألماني يتقن اللغة الروسية، أجاد بوتين اللغة الألمانية.
تشير استطلاعات الرأي إلى أن النخب الروسية ترى ألمانيا صديقة حقيقية وداعمة لها في الغرب؛ فموسكو لا ترى برلين باعتبارها منافساً استراتيجياً في محيط الدول السوفياتية السابقة، كما تصنّف الولايات المتحدة. بل غدت برلين أهم شريك تجاري لموسكو.
ويسعى صانعو السياسة الألمانية إلى تحقيق سياسة متوازنة لتقوية الروابط العملية والتجارية، وحث روسيا على السير في طريق الإصلاح الليبرالي، وتبني تنمية الدول السوفياتية السابقة، وخصوصاً أن الاتحاد الأوروبي لم ينجح في تحقيق نمو حقيقي في دول شرق أوروبا. تركزت السياسة الألمانية على إدخال روسيا ضمن القارة الأوروبية. كان الرئيس هورست كولر كثير القلق بسبب انضمام بعض جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق إلى الاتحاد الأوروبي، خوفاً من ردة الفعل الروسية السلبية. نجحت ألمانيا في أن تكون الداعم الأساسي لإشراك موسكو في المفاوضات بين باريس ولندن بشأن ملف الديون، ومنظمة التجارة العالمية...
حين واجهت الجمهوريات السوفياتية السابقة مشكلات اقتصادية كبيرة، اتخذت ألمانيا دور المساهم المالي. وبادرت أيضاً إلى عقد قمم فرنسية ـــ ألمانية ـــ روسية دورية منذ عام 1997، بهدف تقوية الشراكة الاستراتيجية الروسية في القضايا الاقتصادية والأمنية في الاتحاد الأوروبي.
وصل الدور إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي بدت ملتزمة أيضاً بالشراكة الاستراتيجية بين روسيا وبلادها، وخصوصاً في مسألة الطاقة. إلاّ أن هذه الشراكة المستمرة لم تزِل قلقها في ما يتعلق بزعزعة المفاهيم الديموقراطية الروسية أو انتهاكات حقوق الإنسان.
لذا تبدو ميركل أكثر حذراً وواقعية من سابقيها في تعاونها مع روسيا والجمهوريات السوفياتية السابقة. وتحرص على عدم طرح الملفات الروسية على «أجندة» الاتحاد الأوروبي ومجموعة دول الثماني.
سئل شرودر في عام 2004 ما إذا كان بوتين رجلاً ديموقراطياً، فما كان منه إلاّ الإجابة بـ«نعم» من دون تردّد. ليس في وسع ميركل أن تقول العكس عن ميدفيديف، وخصوصاً أنه بدا متمايزاً بعض الشيء عن سياسة بوتين نحو الليبرالية الغربية والحرية.
ستدعمه ميركل وتصفه بالديموقراطي أيضاً. فهذه الزيارة ليست إلاّ تكريساً لهذا النهج؛ علاقة استراتيجية بين «ديموقراطيتين» على الطاولة، فيما تستغيب برلين موسكو مع حلفائها في الاتحاد الأوروبي بصمت. هكذا يخلق التوازن. علاقة «استراتيجية» بين ألمانيا وروسيا، و«صداقة» بين برلين وواشنطن.