باستثناء الاتصال الهاتفي الذي أجراه رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، بباراك أوباما بهدف المباركة، لم يصدر عن إسرائيل الرسمية أي تعليق علني على فوزه على منافسته هيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية الأميركية، ليصبح مرشح الحزب الديموقراطي في السباق إلى البيت الأبيض. بل إن السياسيين الإسرائيليين واصلوا التشديد على أن «السباق الرئاسي الأميركي هو شأن داخلي لا نتدخل فيه»
يحيى دبوق

رغم موقف «اللاموقف» العلني الإسرائيلي، فإن الإعلام الإسرائيلي نقل أخيراً، أن نقاشاً معمقاً أجراه خبراء في وزارة الخارجية الإسرائيلية، قبل أسبوعين من إعلان أوباما لفوزه، خلص إلى استنتاجات معاكسة لقلق محافل عبرية عديدة. إذ تؤكد خلاصة هذا النقاش المعمق أنه «ليس لإسرائيل ما يبرر قلقها، سواء كان باراك أوباما أو جون ماكين رئيساً للولايات المتحدة». ويرد في خلاصة النقاش أن «مكانة إسرائيل واليهود في الرأي العام وفي الكونغرس الأميركيين، قوية جداً ولن تتضرر».
ولم يكن انتصار أوباما كمرشح للحزب الديموقراطي مفاجئاً لإسرائيل، فالمعركة «الترشيحية» الطويلة نسبياً، أتاحت للإسرائيليين إعداد أنفسهم جيداً لمواجهة أي نتيجة تنتج من المعركة الأميركية وتقبّلها، رغم أن معظمهم راهن على فوز هيلاري كلينتون مرشحةً عن الحزب الديموقراطي.
النقاش الذي أداره رئيس مركز البحوث السياسية في وزارة الخارجية الإسرائيلية، وهو الجهاز «الاستخباري السياسي» الرسمي الأول في إسرائيل، نمرود بركان، خلص أيضاً إلى أن الرئيس الأميركي العتيد سيركز اهتمامه على العراق وإيران، باعتبارهما النقطتين الأكثر اشتعالاً في المنطقة، قياساً على الموضوع الفلسطيني، الأقل اشتعالاً. بل رشح من المداولات تقدير يشير إلى أن «أي إدارة أميركية مقبلة ستفضل المسار الدبلوماسي مع إيران قبل أن تختار الضربة العسكرية، واستعداد أوباما للحوار مع طهران، سيسمح له بتبرير لاحق لمهاجمة إيران أمام أوروبا والعالم العربي، بعد استنفاده»، وهو تقدير يصب في مصلحة أوباما إسرائيلياً.
هل يعني ذلك أن الدولة العبرية فرحة بترشيح الحزب الديموقراطي لأوباما للمنافسة في الانتخابات الرئاسية الأميركية؟ بالتأكيد لا. وهل يعني ذلك أنها قلقة من إمكان توليه الرئاسة؟ بالتأكيد نعم. لكن ذلك لا يعني أيضاً تهديداً يستوجب إعلان حالة طوارئ قومية إسرائيلية وتجنيد الإمكانات المتاحة لمواجهته.
من ناحية أخرى، يدرك الإسرائيليون جيداً أن المرشحين للرئاسة الأميركية يعملون في إطار ميزان القوى الداخلي في الولايات المتحدة، الذي لا يسمح لهم بالنجاح إلا من خلال تكييف شخصيتهم ورؤيتهم المعلنة في ما خص قضايا السياسة الخارجية المتصلة بالشرق الأوسط، لتتماهى مع الرؤية الإسرائيلية، وبالتالي يدركون (الإسرائيليون) جيداً أن أوباما، مثل كل المرشحين الذين مروا على سباق الرئاسة الأميركية، يطلق الوعود التي تروق السامعين الإسرائيليين واليهود الأميركيين، بما في ذلك تعهده أمام منظمة ايباك «الحفاظ على القدس عاصمةً موحدة وأبدية لإسرائيل». ولكن الوعود شيء، وما بعد الانتخابات شيءٌ آخر.
انطلاقاً من ذلك، النظر إلى تقدير الخارجية الإسرائيلية من زاوية مختلفة وأكثر اتساعاً، يشير إلى أن ترجيح الإسرائيليين هو أن تُشغل الإدارة الأميركية المقبلة بمشاكلها في العراق وإيران، مع استبعاد شغلها بالقضايا الأكثر التصاقاً وتأثيراً بالمصالح الاستراتيجية لإسرائيل (فلسطين). لكن من دون أن يعني ذلك أنه لا تأثير لتلك الساحتين على الدولة العبرية، ما يعني من ناحية واقعية أن هناك تكييفاً اضطرارياً للقلق الإسرائيلي من تغيير موقف الولايات المتحدة من المسائل المرتبطة بإسرائيل في حال وصول أوباما إلى البيت الأبيض. ويعني أيضاً أن هناك استيلاد فوائد نظرية غير مضمونة التحقق عملياً، لكنها كافية في مرحلة ما قبل الانتخابات الأميركية الفعلية، التي ستجري بعد أشهر، لتهدئة الهواجس الإسرائيلية القائمة.
بالطبع يتعزز تقدير وزارة الخارجية الإسرائيلية، الداعي إلى عدم القلق من ترشيح أوباما، بعد خطابه قبل أيام أمام لجنة «ايباك»، الذي وصفه الإسرائيليون بأنه الأشد تأييداً لإسرائيل في تاريخ الولايات المتحدة. وبحسب معلقين إسرائيليين، فإن الخطاب أكثر تأييداً للدولة العبرية من «الخطابات التي تسمع في مؤتمرات حزب الليكود وباقي الأحزاب اليمينية الأخرى، بل كأننا نشاهد دافيد بن غوريون نفسه يتحدث». لكن الخطاب بالتأكيد، لا ينفي الهواجس الإسرائيلية.
يبقى أن يشار إلى قاعدة حاكمة في إسرائيل يصعب عليها الانزياح عنها، وهي أن الدولة العبرية، رغم قلق محافل سياسية وعسكرية فيها من إمكان تولي باراك أوباما رئاسة الولايات المتحدة، ستبقى أمينة للمبدأ الذي شرّعه مؤسسها ديفيد بن غوريون، من أنه ينبغي للدولة العبرية أن تحافظ على رعاية دولة عظمى لها، وألا تنعزل عنها إطلاقاً، ذلك أن حمايتها وحماية مصالحها القومية مرتبطة باستمرار دعمها لها، وبالتالي لن تحيد إسرائيل عن اللحاق بالولايات المتحدة، وستحرص على العلاقة التبادلية بين الرئاسة الأميركية من جهة، وبينها من جهة أخرى، وهي علاقة تحتم على أي مرشح أميركي كسب ود إسرائيل باعتبارها رافعة أساسية في استمالة اليهود الأميركيين، بينما تسعى الدولة العبرية بدورها إلى تكييف نفسها مع «ساكن» البيت الأبيض أياً كان، بمعزل عن توجهاته ورؤاه، على أن تبذل أقصى جهودها لاستمالته وتليين مواقفه وسياسته الإقليمية، لتتماشى مع مصالحها الجوهرية.