ركود في الاقتصاد وانهيار لسمعة الجيش وتخلُّف في النموّ مع تهميش للموازنات الاجتماعيّة
حيفا ـــ فراس خطيب، وأدّى إلى انشغال المؤسسة الإسرائيلية قاطبة بالصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي، دافعة القضايا المركزية الاقتصادية والاجتماعية نحو الهامش، مقارنة بدول في العالم الغربي.وتبيّن المعطيات أنّ احتلال 1967 جبى من إسرائيل «ثمناً باهظاً»؛ فقد زعزع الاستقرار الاقتصادي وأثقل موازنة الدولة، وحدّ من تطوّر المجتمع، وألحق ضرراً بمكانتها الدولية وأنهك جيشها وفرّق الساحة السياسية، وهدّد إسرائيل «كدولة يهودية قومية».

الثمن باهظ

ويشير التقرير إلى أن الثمن الاجتماعي الداخلي للسيطرة الإسرائيلية على الضفة والقطاع والقدس «كان ولا يزال ثقيلاً». وكثير من الأوساط التي كانت تواجه صعوبات اقتصادية قبل حرب حزيران 1967، استصعبت تطوير ذاتها واستمرّت في معاناتها بعد الحرب، وتعزّزت الفجوة بين المدن الفقيرة ومدن المركز.
وبحسب الدراسة، فإنه مع مرور السنوات، تصاعدت حدّة عدم المساواة بحقّ فلسطينيّي 48، وسارت باتجاه تصاعدي منذ الحرب والاحتلال وحتى يومنا هذا. وآلت هذه الوضعية السيئة إلى دفع غالبية جيل الشباب، إلى خارج دائرة النمو الاقتصادي. فعلى سبيل المثال، تعيش حالياً واحدة من بين خمس عائلات إسرائيليّة تحت خطّ الفقر، مقارنة بنسبة عائلة فقيرة من أصل 10 عام 1970.
كما خلص التقرير إلى أنَّ الصعود والهبوط اللذين ميّزا الاقتصاد الإسرائيلي، والتحولات الأمنية، وخصوصاً بعد الانتفاضتين الأولى والثانية (1987 و2000)، خلقا فجوةً بين إسرائيل ودول أخرى كانت تطمح الدولة العبرية لأن تكون مثلها.
ففي الفترة الواقعة بين 1997 و 2006، شهدت إسرائيل نموّاً اقتصادياً وصل إلى نسبة 43 في المئة، لكنّ هذا النمو كان ضئيلاً نسبة لدول أوروبية وعربية أخرى، حيث شهد الاقتصاد العالمي في الفترة نفسها معدل نمو بنسبة 67 في المئة. ووصلت النسبة في الاقتصادي الأميركي إلى 68 في المئة، ودول الاتحاد الأوروبي إلى 68 في المئة. حتّى الهند، شهدت نموّاً وصل إلى 139 في المئة، كما وصل في دول الخليج إلى 174 في المئة وفي الصين إلى 193 في المئة.
وتابع التقرير ـــ الدراسة، أنه منذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى، تبين أن كلّ مواجهة بين الاحتلال الإسرائيلي والفلسطينيين أدّت إلى تباطؤ في النشاط الاقتصادي الإسرائيلي.
وازدادت بين السنوات 1989 و2008، الموازنة المخصصة للشأن الفلسطيني والتأقلم معه، وقد وصل المبلغ المخصَّص لهذا الهدف إلى 35 مليار شيكل (10 مليارات دولار تقريباً)،
وقد تضخّمت هذه الموازنة على حساب مخصّصات التربية والتعليم وغيرها من المجالات الحيويّة. أضِف إلى ذلك، الموازنة المخصّصة لتنفيذ خطّة «فكّ الارتباط» عن قطاع غزة عام 2005، التي كلّفت خزينة الدولة 9 مليارات شيكل، إضافةً إلى تخصيص 13 مليار شيكل لبناء الجدار الفاصل في عهد أرييل شارون.
وتابع التقرير أنّه خلال الانتفاضة الثانية، وقع الاقتصاد رهينة «ركود ثقيل». السبب هو أنّ نقصاً ملحوظاً على المدخول قد طرأ، في مقابل ازدياد المطالب لرفع موازنة الأمن. واختارت الحكومات المتعاقبة في تل أبيب تقليص نسب كل الموازنات المخصّصة لكل الوزارات، من دون أن تمسّ مخصّصات الدفاع والأمن.
وخلال أربع سنوات (2001 ــ 2005)، قلّصت موازنة الدولة العبرية بما يقارب 65 مليار شيكل على حساب مخصّصات الأطفال، التي تقلّصت 45 في المئة، ومخصّصات البطالة (47 في المئة) والشيخوخة (25 في المئة).
كما دفعت مؤسسات التعليم العالي بين السنوات المذكورة ثمناً يصل إلى تقليص بنسبة 19 في المئة.
... والجيش أيضاً
نقطة مركزيّة أخرى يسلّط الضوء عليها التقرير نفسه، وهي الضرر الذي أصاب أم المؤسسات الإسرائيليّة، أي الجيش بفعل استدامة الاحتلال ومفاعيله. فقد باتت مهمة هذا الجيش منذ سنوات، فرض السيطرة على الفلسطينيين في المناطق المحتلة، ممّا أدّى إلى المسّ بمكانته وسمعته، بحيث ألحقت مهمّات السيطرة التي اتّبعها في المناطق المحتلَّة، ضرراً به وزعزعت مكانته كجسم يحظى بالإجماع فوق السياسة. كما أدّت مهمّاته هذه إلى إلحاق الضرر بـ«شرعيته الأخلاقية التي تمتّع بها منذ تأسيسه»، حسبما جاء في التقرير، بحيث سعى هذا الجسم إلى فرض السيطرة بدلاً من الحفاظ على الدولة ومواطينها وأمنهم.
في المقابل، وبحسب المدير الأكاديمي لـ«أدفا»، شلومو سبيرسكي، فإنه بعد عام 1967، أطلق إسرائيليون كثيرون أصواتاً حذّرت من تبعات السيطرة العسكرية على المناطق الفلسطينية. ويسمّي من المناهضين للاحتلال، البروفيسور يشعياهو ليفوفيتش، يتسحاك بن اهرون، بنحاس لفون. وسبق هؤلاء شمعون تسبار الذي نشر إعلاناً مدفوع الأجر في صحيفة «هآرتس» بمشاركة عشرة أشخاص آخرين، بعد ثلاثة أشهر من فرض الاحتلال، حذر فيه من «النتائج الخطيرة»، وتحويل الجيش الإسرائيلي إلى «منظومة احتلال».
كما يشير التقرير إلى أنه مع مرور الوقت، وجد جيش الاحتلال نفسه مرة أخرى، يقاوم ظاهرة رفض بعض الجنود تنفيذ المهمات الموكلة إليهم.
ويرصد التقرير الحركات الرافضة التي ظهرت في الانتفاضتين الأولى والثانية داخل المؤسسة العسكرية. حركة وصلت إلى أوساط نسائية أيضاً، مذكّراً بحركة «نساء في السواد» المناهضة للاحتلال، وحركة «أربع أمهات» المناهضة لغزو لبنان عقب اجتياح عام 1982.
ولا يجد معدّو التقرير أفضل مما جاءت به لجنة «فينوغراد» وقبلها «بروديت»، (التي فحصت موازنة وزارة الأمن)، ليؤكّدوا أنّ مهمات الجيش الإسرائيلي المذكورة، ألحقت ضرراً بأدائه، وخصوصاً في حرب لبنان الثانية في تموز 2006.