القاهرة ــ وائل عبد الفتاحكلمات المحافظ كانت إشارة على الهواء لاقتحام الأمن للمدينة بعدما عطل المتظاهرون الطريق الدولي لثاني مرة خلال عام واحد. الأولى كانت بسبب العطش حين حرمت المدينة والقرى التابعة لها من مياه الشرب النقية، لفترات طويلة ولم تحل المشكلة إلا بعد قطع الطريق، وهو ما تكرر هذه المرة ولمدة ٨ ساعات قبل الهجمة الأمنية.
هذه عودة للمواجهات المباشرة بين الأمن والأهالي، بعد أحداث المحلة الكبرى في نيسان الماضي. لكن يبدو من أسلوب إدارة الأزمة أن هناك فقدان صبر ورغبة في إنهاء الهبات الشعبية بعنف يجهضها في أقصر فترة ويرسل رسالة مضمونها «لم يعد مسموحاً بهذه الاحتجاجات بعد اليوم».
يعني هذا أيضاً أن استخدام العنف هو قرار غير معلن يعبّر عن فقدان الأعصاب السياسية واللجوء إلى الحل الأمني فقط، رغم أنه أثبت فشله في أكثر من ملف، آخرها فتنة أبو فنا حيث رفض البابا شنودة أسلوب «جلسات الصلح»، التي كانت تتم تحت إشراف قيادات أمنية، مشيراً إلى أن هذه الجلسات تمت أكثر من مرة ولم تحل الموضوع من جذوره. ورغم أنه ردّ هادئ من القائد الروحي للأقباط، إلا أنه لا يخلو من عنف، فهو يفسد ترتيبات من الأجهزة الحكومية للإعلان عن إنهاء الأزمة.
البابا وجّه نقداً للأمن خلال مداخلة هاتفية لبرنامج «البيت بيتك» على شاشة التلفزيون الحكومي. قال إن «هذه الجلسات تعقد كثيراً بحضور ممثلين من الحزب الوطني (الحاكم) يتعهد خلالها قادة العربان (يقصد البدو) بعدم الاعتداء على الأراضي بعد الإقرار بأن ملكيتها من حق الدير بعد وضع يده عليها. لكن التعهدات تتبخر». وأكد أن «ما حدث يعتبر إساءة للمسلمين والمسيحيين لأنه باختصار يعني عدم وجود أمن في المنطقة».
هناك إدارة مختلفة للأزمة، كما يبدو من كلام البابا ومن تصريحات المتحدث الرسمي باسم مطرانية ملوي (التابع لها الدير) الذي قال لصحيفة «المصري اليوم» إن «الأنبا ديمتريوس، أسقف ملوي، سلّم اللواء أحمد ضياء الدين، محافظ المنيا، بياناً بمطالب المطرانية والدير، للتهدئة وإنهاء الأزمة تضمّن ستة بنود هي: الإفراج عن مقاول الدير رفعت فوزي، وشقيقه إبراهيم، لأنهما بريئان من قتل الضحية (المسلم)، وعدم اتهام أي قبطي حالياً أو مستقبلاً في هذا الحادث كوسيلة للضغط، وسرعة القبض على الجناة الذين أبلغ عنهم الرهبان واتهموهم بإطلاق النار على الدير، وصدر لهم أمر ضبط وإحضار، لكنه لم ينفذ، وسرعة استئناف العمل في بناء السور، وتعويض الدير عن التلفيات والمسروقات، إلى جانب إثبات الصورة الحقيقية للحادث من دون تزييف».
هذه سياسة جديدة للكنيسة، التي كانت تكتفي باعتكاف البابا إذا تعقدت المفاوضات. لكن «فرض الشروط» سيدفع الأمور إلى منطقة جديدة واختبار القوة في مواجهة أجهزة نظام الرئيس حسني مبارك.
سيبقى الملف معلّقاً مثل غيره من ملفات اشتعل غضب المجتمع حولها خلال الفترة الأخيرة، لعل بينها مصنع «أجريوم» للأسمدة الذي احتجّ أهل مدينة دمياط على إقامته فيها وتوقف المشروع، لكن لم يصدر قرار نهائي بإلغائه. وتظهر كل يوم وقائع فساد جديدة تتعلق بتسهيلات حصلت عليها الشركة (الكندية الأصل) في الأراضي وموافقات أجهزة البيئة.
وأضيف أخيراً إلى الملفات المعلقة ملف نقابة المحامين، التي تقترب من فراغ إداري بعد صدور حكم ببطلان انتخابات النقيب ومجلس النقابة وتقديم الحكومة لمشروع قانون جديد للمحاماة عزز الانقسام بين المحامين ويضع مصير النقابة على حافة «الحراسة القضائية».
لم تتحرك أجهزة النظام، منتظرةً اشتعال الوضع الداخلي في النقابة بين مجموعة النقيب الحالي سامح عاشور المنحاز إلى قانون الحكومة ومجموعة «الإخوان المسلمين»، الذين يشعرون بأن القانون معدّ للإطاحة بهم.
المبادرة أتت من المجتمع المدني، إذ عقد المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة اجتماعاً ضم الطرفين، ودعا إلى تقريب وجهات النظر بين مشروعي القانون لتجاوز الأزمة.
والملفات المعلّقة التي لا يستطيع الأمن حسمها مباشرة وبقوة السلاح تبدو على وشك الانفجار، فلا يمر يوم إلا يظهر احتجاج في مدينة مصرية على العطش أو الجوع أو على اختفاء حديد التسليح من السوق، كما حدث أمس في القليوبية (٥٠ كيلومتراً من القاهرة) أو حتى على انقطاع إرسال قناة «الجزيرة الرياضية» من الشركة المصرية المسؤولة عن البثّ.