strong>ربما بدأ الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز يدرك أن منطق الثورة لا يتصالح بتاتاً مع منطق الدولة، وأن ما حققته أميركا اللاتينية على صعيد إيصال أحزاب يسارية إلى السلطة في أكثر من دولة هناك، قد نزع مبررات استمرار تنظيمات مسلحة على غرار «الفارك» الكولومبية، التي قد تصبح ذريعة لإسقاط هذه الدول
بول الأشقر
طالب الرئيس الفنزويلي، هوغو تشافيز، الزعيم الجديد لـ«الفارك» ألفونسو كانو، أن يضع حدّاً للكفاح المسلّح في كولومبيا، وأن يفرج من دون أي مقابل عن جميع الرهائن المحتجزين. واقترح أن تكون هذه البادرة الخطوة الأولى لكي يتحرك عدد من الدول الأميركية اللاتينية والأوروبية لإدراك السلام في كولومبيا وضمانه.
وقال الرئيس الفنزويلي، خلال برنامجه التلفزيوني الأسبوعي «ألو بريزيدنتي»، «حان الوقت لكي تفرج الفارك عن جميع الموجودين في الجبال... قد تكون بادرة كبيرة... تقومون بها من دون مقابل... إن ظروف أميركا اللاتنية والولايات المتحدة الحالية تبدو مؤاتية ومتوافرة لمسار سلمي في كولومبيا... والإفراج غير المشروط سيمثّل الخطوة الأولى».
ثم توجه إلى كانو قائلاً «أنا بتصرفك للبحث عن الآليات الكفيلة بالإفراج عن جميع الموجودين في الجبال». وتابع «قد تتحوّل إلى الخطوة الأولى التي نستغلها لوضع حد للصراع الداخلي في كولومبيا... وأقترح أن يضمن عدد من الدول ومن المؤسسات الدولية الاتفاقات السلمية التي ستبرمها الحكومة الكولومبية مع منظمات الكفاح المسلح، كما حصل من قبل للصراعات في أميركا الوسطى»، في إشارة إلى مجموعة «كونتادورا» التي تأسست في الثمانينيات ورعت في التسعينيات اتفاقات السلام في دول أميركا الوسطى التي كانت تمزقها الحروب الأهلية. وأضاف الرئيس الفنزويلي «إن حرب العصابات صارت من التاريخ الماضي... في هذه الأيام التي تعيشها أميركا اللاتينية، وجود كفاح مسلح يمثّل مفارقة من خارج جدول الأعمال التاريخي». وأشار تشافيز إلى أن هذا الكلام كان ينوي توجيهه إلى مؤسس الفارك التاريخي وزعيمه، الذي توفي في 26 آذار الماضي، مانويل مارولاندا، قائلاً «كنت أود أن أقوله شخصياً له (مارولاندا) عندما حاولت الاجتماع به شخصياً.. وإني آسف لأني لم أستطع الاجتماع به».
وختم تشافيز قائلاً «تحوّل وجود مجموعات تمارس الكفاح المسلح إلى حجة تلجأ إليها الامبراطورية لتهديدنا جميعاً (الحكومات الديموقراطية اليسارية). ويوم يحلّ السلام في كولومبيا، تنتهي حجج الامبراطورية، وأولها حجة الإرهاب... والآن يقولون إنهم يريدون إشادة قاعدة عسكرية في كولومبيا (مكان القاعدة التي ستقفل السنة المقبلة في الإكوادور)... وهذه القاعدة ستمثّل تهديداً مباشراً لفنزويلا».
في الواقع، يحاول تشافيز أن يتدخّل في النقاش الداخلي الذي تعيشه «الفارك» بعد وفاة مارولندا: «الجميع يعلم، بمن فيهم الفارك، أن الفوز العسكري صار مستحيلاً».
لعلّ الضربات المتتالية والخسائر على مستوى القيادة التي ألحقت بـ«الفارك» خلال السنوات الأخيرة، وخصوصاً في الأشهر الأخيرة، جعلت احتمال الهزيمة والتفكك الذي كان مستبعداً قبل سنة وارداً الآن، ولو على الأمد المتوسط. لذلك، يعتقد تشافيز أن القرار على صعوبته، أسهل اليوم بعد وفاة مارولاندا، وفي غياب رأي راجح.
ومن المسلّم به أن «الفارك» فوتّت فرصة الاتفاق قبل عقد عندما كانت في أوج قوتها... ما عبّد الطريق لوصول سياسي معاد لها مثل ألفارو أوريبي إلى سدّة الرئاسة. بهذا المعنى، أوريبي هو نتاج «الفارك» لا العكس، و«الفارك» سبب أساسي في نجاحه في تجديد ولايته مرة أولى وعلى الأرجح مرة ثانية بعد سنتين. ويراهن تشافيز على مبادرة قوية من خلال «الفارك» لتأليف «مجموعة الدول الصديقة لكولومبيا» التي ستتألف من الوساطة الأوروبية ـــ إسبانيا وفرنسا وسويسرا ـــ ومن عدد من الدول الأميركية اللاتينية ـــ البرازيل والأرجنتين والإكوادور وغيرها ـــ إضافة ربما إلى الفاتيكان والبرتغال.
وتتضمن مبادرة «الفارك»، إذا حصلت، نزع صفة «الإرهابيين» عن المنظمة، وأيضاً عن جيش التحرير الوطني، وإحلال صفة «المحاربين» محلّها. ثم تبادر هذه الدول إلى رعاية مفاوضات السلام.
ولتصريح تشافيز هدف آخر داخلي: مع اقتراب انتخابات المقاطعات التي ستجري في الأشهر المقبلة، والتي تعدّ «حاسمة» لمستقبل نظامه، إذ إن هذا الكلام يساير الرأي العام الفنزويلي المعادي لـ«الفارك» عموماً، وخصوصاً في المناطق الموازية لكولومبيا.