بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، أمس، يومين من المشاورات لبحث الموقف الواجب اتخاذه إزاء الاقتراح المصري للتهدئة مع حركة «حماس»، واحتمال شن عملية واسعة النطاق ضد قطاع غزة بحجة وقف إطلاق الصواريخ منه
يحيى دبوق

أعلن الناطق باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي، مارك ريغيف، أمس، أن «الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر (في غزة)، وسيبحث رئيس الوزراء مختلف الخيارات وبينها اللجوء إلى القوة».
وبالفعل، تطرّقت الحكومة الإسرائيلية خلال اجتماعها أمس، من جملة الأمور، إلى الوضع في غزة والموقف من اقتراح التهدئة، ثم تبعتها مشاورات «للمطبخ الأمني» الإسرائيلي بمشاركة أولمرت، وزير الدفاع إيهود باراك ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني، على أن يُتخذ القرار النهائي في اجتماع المجلس الوزاري المصغّر للشؤون الأمنية والسياسية اليوم.
وخلال جلسة الحكومة، عرض رئيس دائرة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية العميد يوسي بايدتس تقريراً تطرّق فيه إلى الوضع في قطاع غزة والمبادرة المصرية للتهدئة.
وقال بايدتس إن حركة «حماس» مهتمة في هذه المرحلة بأن يسود الهدوء في قطاع غزة، لكنها ما زالت مستمرة في تهريب أسلحة من مصر إلى القطاع، وأنها تسعى إلى الحصول على أسلحة متطورة وزيادة مدى الصواريخ.
وطالب عدد من الوزراء، خلال الاجتماع نفسه، بشنّ عملية عسكرية واسعة ضد القطاع بادّعاء أن من شأنها أن توقف إطلاق صواريخ «القسّام» وقذائف الهاون باتجاه إسرائيل.
ومع ذلك، نقلت تقارير إعلامية عن مصادر أمنية إسرائيلية تقديراتها، أنه من المتوقع أن تنقل مصر جواباً إيجابياً من حركة «حماس» بشأن التهدئة.
وأشارت المصادر نفسها إلى أن الاقتراح المصري لن يقدم على شكل وثيقة رسمية. وعلم أن القاهرة تتحدث عن 3 مراحل؛ في المرحلة الأولى توقف «حماس» والفصائل الفلسطينية الأخرى الناشطة في قطاع غزة هجماتها على إسرائيل، فيما يمتنع الجيش الإسرائيلي عن القيام بعمليات هجومية على قطاع غزة، بينما تتواصل الاعتقالات في الضفة الغربية. وفي المرحلة الثانية تقدم إسرائيل تسهيلات على المعابر الحدودية بينها وبين قطاع غزة، وتتيح دخول عدد أكبر من الشاحنات المحمّلة بالبضائع إلى القطاع، وفي المرحلة الثالثة تدرس إسرائيل فتح معبر رفح إذا ما تواصل حدوث التقدم.
وتابعت المصادر نفسها أن حيّز المناورة الإسرائيلي بشأن التهدئة ليس كبيراً، وأنه إذا نقلت القاهرة رداً إيجابياً من «حماس»، فمن الجائز الافتراض بأن إسرائيل ستضطرّ إلى الموافقة على التسوية، حتى لو كانت غير راضية عن بعض شروطها، وذلك لأنه سيكون من الصعب رفضها بعد كل هذه الجهود التي بذلتها مصر، علاوة على أن الحصول على تفهّم دولي لعملية هجومية على قطاع غزة مشروط بإثبات أن إسرائيل قد بذلت كل جهودها للتوصل إلى تهدئة، وأنها اختارت الهجوم كمخرج أخير.
وفي السياق، شكّك محللون إسرائيليون في جدية التهديدات الإسرائيلية التي توحي بأن الجيش الإسرائيلي على وشك البدء في الهجوم على القطاع. وأكدت «يديعوت أحرونوت» ما كانت نشرته صحيفة «هآرتس» يوم الأحد الماضي أنه «لا توجد حتى الآن أي تغطية ميدانية لطبول الحرب التي يتم قرعها في تل أبيب والقدس».
وبحسب المحلل العسكري في «يديعوت»، أليكس فيشمان، فإن الانطباع لدى الجيش الإسرائيلي هو أن القيادة السياسية الإسرائيلية «لا تعتزم هذه المرة بصورة جدية عمل شيء ما هام حيال التهديدات من غزة».
وتابع فيشمان أن «التصريحات التي أطلقها أولمرت وباراك والتي بموجبها أصبحنا على وشك الحسم، وأن الضربة العسكرية لا يمكن منعها وأن الأمر لا يتعدى كونه مسألة أيام، كل هذا معلّق في الهواء من دون علاقة مع ما ينفذه الجيش وما يحدث عند الجبهة» مع القطاع. ورأى فيشمان في تهديدات أخرى أطلقها وزراء إسرائيليون بخصوص عملية عسكرية ضد القطاع أنها «مسرحية تعبر عن مخاوف حكومة اكتوت بغليان حرب لبنان الثانية وتسير على بيض نحو انتخابات» على أثر التحقيق ضد أولمرت.
بدوره، قال المراسل العسكري لصحيفة «معاريف»، عامير ربابورت، إنه للوهلة الأولى، يبدو أن القيادة السياسية تؤيد «التهدئة» وهي ضد عملية برية. وبحسب ربابورت، فإن هذا على الأقل ما يفهم من الأمور التي قالها باراك في الأيام الأخيرة في محافل مغلقة، وبموجبها «ينبغي تجربة الخطوة حتى من أجل نيل شرعية دولية، وفقط إذا لم تلبّ شروط إسرائيل يجب التفكير في عملية برية كبيرة في غزة»، وهذا هو أيضاً موقف أولمرت استناداً إلى تقدير محافل سياسية. أما موقف ليفني، فيرى ربابورت أنه «أكثر غموضاً في هذه اللحظة».
ومع ذلك، يضيف ربابورت إنه على الرغم من المواقف الواضحة، ظاهراً، المؤيدة لوقف النار، فإن معظم الاحتمالات هي أن يرسَل الجيش الإسرائيلي قريباً للقيام بعملية محدودة في قطاع غزة، قبل أي اتفاق للتهدئة، كما يوجد أيضاً احتمال عالٍ في أن يشترط المجلس الوزاري وقف النار بعدة «تحسينات».
وتطرق ربابورت إلى الأساب التي تدفع إسرائيل إلى التردد قبل الموافقة على اقتراح التهدئة، فيشير إلى أسباب غير موضوعية، مثل التحقيقات مع أولمرت، والتي قد تكون سلبت الاهتمام، أو صراعات الخلافة على خلفية رائحة الانتخابات؛ وأُخرى موضوعية جداً، مثل التخوف من الدخول في وقف النار انطلاقاً من موقع يتخذ صورة ضعف في نظر العالم العربي، وتخوف أساسي في ان «تستغل» حماس التهدئة كي تعاظم قوتها استعداداً لجولة قتالية جديدة، تأتي حسب التقديرات بسرعة شديدة.
وقال المحلل السياسي في «معاريف»، بن كسبيت، إن «اسرائيل وحماس هما في مسار صدام محتم». لكنه أشار إلى أن «باراك ورئيس الأركان غابي أشكنازي يعتقدان بأنه ليس من الجدير الخروج في عملية عسكرية كثيفة في القطاع في هذه اللحظة وإن كان واضحاً أن هذا سيحصل في وقت ما. التقدير هو أن العملية لن تعيد جلعاد شاليط ولن توقف نار القسّام أيضاً». وبحسب كسبيت، «بدأ يتبلور الآن خيار ثالث: السير نحو عملية محلية، مثل «شتاء حار» التي نفذتها قيادة المنطقة الجنوبية في صيف 2007، عملية لن تكون واسعة جداً في حجمها، ولكنها ستخلق ضغطاً متدحرجاً على حماس والمنظمات وتحسّن شروط التهدئة».