إضراب في فرنسا يوحّد العمّال وأرباب العمل تمهيداً لآخر «عام» في ١٧ حزيرانبسّام الطيارةيرى البعض أنّ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد تعلّم «من كيسه» بعد أكثر من عام من الحكم. أشهر عرفت تراجعاً رهيباً في شعبيته وغياب الهالة التي كانت تحيط به لدى وصوله إلى الإليزيه، بسبب وضع تفاصيل حياته الشخصية في واجهة ممارسته السياسية.
صحّح ساركوزي بعض أخطائه وغيّر من منهجيّة تعامله مع الصحافة، وبات يخفّف من احتكاكه مع المعترضين على سياسته، وبالتالي من شجاره العلني معهم.
إلا أنه لم ينسَ أنه «زعيم اليمين الليبرالي» الذي وصل على ظهر أصوات اليمين المتطرف، بدعم من «عصب الرأسمالية»، وهو ما لم يخفه على أحد، أكان من حيث تصرفه الشخصي أم من ناحية «الهدايا الضرائبية» التي قدمها لداعميه بعد أيام معدودة من دخوله قصر الرئاسة.
الخلاف بين الرئيس و«نصف مواطنيه على الأقل»، هو خلاف عقائدي بين طرحين متواجهين وسياستين متناقضتين.
يتّفق الجميع على أنّ هذا الخلاف المبني على تناقض واضح وصريح هو «تباين صحّي بشأن كيفية بناء فرنسا الغد»، وأنه من نوع الخلافات التي تعبّر عن دينامية المجتمع الفرنسي. ويضيف البعض أنّه في «كل الانتخابات وليس فقط الانتخابات الرئاسية»، يُسمح بحصول تغييرات في المجتمع. كما أنّ لموازين القوى على أرض العمل الاجتماعي، أي ما يُسمّى مؤسسات «المجتمع المدني»، من جمعيات ومؤسسات ناشطة تنقل «نبض المواطن» إلى نقابات العمال، رأياً في هذه التغييرات، ولها أيضاً دور في وضع القوانين الجديدة أو تطوير القوانين المعمول بها. وفي كل مرة ينكسر فيها هذا التوازن بين العمل التشريعي وجس نبض أرض الواقع، تذهب الأمور إلى حدّ القطيعة والإضرابات الكبرى. ما يحدث اليوم في فرنسا يعود إلى هذا الخلل بين سياسة الحكومة وتطلعات قسم كبير من مواطنيها.
فقد شهدت فرنسا أمس، إضراباً كبيراً عدّه أكثر من مراقب «بروفة» لما تستعدّ له الأسبوع المقبل من إضرابات كبرى يكلّله «يوم إضراب عام» في ١٧ حزيران. والجديد في هذا التحرك، أنّ «نقابات أرباب العمل»، أي ممثّلي «الرأسمال العامل لا الرأسمال الريعي» كما يحب الإشارة إليه أكثر من مندوب لها، تشارك هذه المرة في الإضراب، ممّا يمكن أن يعطيه بعداً جديداً. ويعود السبب إلى «خرق الحكومة اتفاقاً بشأن عدد ساعات العمل» يحدده القانون بـ٣٥ ساعة أسبوعياً. وهو ما توافقت عليه نقابات العمال وأرباب العمل ووقعت اتفاقاً بهذا المعنى بمعية الحكومة، وبعد «وعد منها بعدم المساس بهذا البند».
لم يفِ ساركوزي بوعده الحفاظ على عدد ساعات العمل، ومرّر قانوناً يتيح تحديد الشركات عدد ساعات العمل حسب «مصلحتها الاقتصادية»، أي إن هذا القانون يطيح إطار ساعات العمل الذي يعدّ في اللاوعي الفرنسي، من «أهم منجزات التقدم الاجتماعي» منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
ويأتي هذا التحرك في خضمّ جوّ ثقيل من الضغط لدى قسم كبير من ذوي الدخل المحدود والمتوسط، بالتزامن مع تراجع القوة الشرائية للفرنسيّين، وخصوصاً أنّ المؤشرات الاقتصادية تدلّ على تراجع للنموّ، بينما أسعار النفط تواصل ارتفاعها.
ويدفع هذا التوجه العام، العديد من المراقبين للتساؤل عن سبب «اندفاع ساركوزي في هذه الأجواء» لتمرير قوانين تخرق التوافق الاجتماعي. والجواب يجده البعض بالعودة إلى «الأصول الليبرالية لقناعات الرئيس اليميني». قناعات لا يخفيها ساركوزي أبداً، ما يدفع البعض إلى الاعتراف بأنه، بخلاف الرؤساء السابقين، لم يبحث منذ وصوله إلى الإليزيه «عن التوافق» مثلما كانت الحال مع كل أسلافه.
لا يزال أمام الرئيس الفرنسي ٤ سنوات، ولا أحد يصدقه حين يقول إنه «لن يترشح لولاية ثانية». ويتّفق عديدون على أنّه ما زال بإمكانه «تكملة عملية التغيير»، وبالتالي العمل على إجراء إصلاحات يتفق أيضاً الجميع على ضرورتها. لكن من ضرورات النجاح أيضاً، المرور بتغيير نمط تعامله مع الصحافة والنقابات... باختصار مع كل من يعارضه.
لا يكفي الإعلان عن تغيير في التصرف، بل يجب أن يتلمس الجميع هذا التغيير. وكما ذكّرته الصحيفة الساخرة «لو كنار أنشينيه»، فـ«لا يكفي تغيير ساعة رولكس لتحل محلها ساعة باتيك فيليب، التغيير يجب أن يكون بالتكتم على نوع الساعة التي تلف معصمه وسعرها، فهي لا تهم مواطنيه».