أرنست خوريمسؤولو الاتحاد الأوروبي ودوله يضعون أيديهم على قلوبهم، وعيونهم على إيرلندا. هناك، سيتحدّد مصير اتحادهم الذي لا يزال من دون دستور؛ فالإيرلنديّون وحدهم من بين نظرائهم في الدول الـ27 التي تكوّن دول الاتحاد الأوروبي، سيكون لهم شرف التصويت بموجب استفتاء شعبي لقبول أو رفض «معاهدة لشبونة»، أو البديل للدستور الأوروبي الموحَّد.
ميزة فرضها الدستور الإيرلندي شرطاً مسبّقاً قبل التورّط في أيّ مشروع اندماجي على صعيد أوروبي إقليمي. أمّا بقيّة الدول الـ26، فيمثّلها نوّابها في التصديق على «المعاهدة»، تفادياً للرفض الشعبي الذي واجه إقرار الدستور الأوروبي في فرنسا وهولندا عام 2005.
ولأنّه على «الإصلاحات الأوروبيّة» أن تنال إجماع الدول الأوروبية جميعها، فقد يقف الإيرلنديون حجر عثرة أمام المشروع، رغم أنّ المزاج الإيرلندي يبدو مقسوماً بنسبة النصف بين مؤيد لـ«المعاهدة» ورافض لها. وكما يحصل في جميع الدول «الديموقراطيّة»، يبدو أنّ القرار سيحدّده «الناخبون العائمون»، الذين لم يحسموا قرارهم بعد، إذ إنّ نسبة هؤلاء تصل إلى أكثر من 35 في المئة، في مقابل 30 في المئة موافقين، و35 في المئة من أنصار الـ «لا»، وذلك بحسب آخر استطلاع رأي أجرته صحيفة «ايريش تايمز» قبل 4 أيّام من موعد الاستحقاق.
حاول رؤساء الدول الأوروبيّة فعل كلّ شيء لتفادي تجربَتي فرنسا وهولندا، إذ بدا واضحاً أنّ الغالبيّة الشعبيّة الأوروبية ترفض ما يسمّيه زعماؤها «إصلاحات» تتمّ دسترتها، وخصوصاً في المجالات الاقتصاديّة وخصخصة القطاعات العامّة وتحرير الأسواق وجمع الدول في منظومة دفاعيّة موحّدة ضمن سياسة «الحرب على الإرهاب».
لعبوا على الألفاظ، وغيّروا اسم الدستور في العاصمة البرتغاليّة لشبونة في كانون الثاني 2007، لكن في النهاية، وقف الدستور الإيرلندي عقبة أمام حلمهم بالتخلّص من المعارضة الشعبيّة، والـ«لا» الإيرلنديّة قد لا يقتصر ضررها على منع اعتماد «المعاهدة» أوروبياً، إنما قد يمتدّ تأثيرها إلى الدول التي تنتظر موعد تصويت برلماناتها عليها، وخصوصاً في تشيكيا، حيث يُخشى أن يرفع الرفض الإيرلندي من معنويات النواب التشيكيين ويرفضون بدورهم «المعاهدة» بحسب نظريّة أثر «كرة الثلج» على القرارات العامّة.
ونظراً إلى أنّ المسؤولين الأوروبيين تكبّدوا 8 سنوات من المفاوضات ليصلوا إلى تسوية «معاهدة لشبونة» بعد الدستور الأوروبي، فإنّ أيّ رفض جديد ولو من دولة واحدة من أصل 27، سيعرّض المشروع الأوروبي برمته لانزلاقة كبيرة. مخاوف عبّر عنها رئيس المفوّضية الأوروبيّة خوسي مانويل باروزو عندما حذّر الـ495 مليون مواطن أوروبي بأنه إذا رفض «المعاهدة» فلن تكون هناك «خطّة بديلة، لأنّ المعاهدة كانت هي الخطّة البديلة عن الدستور».
بدوره، فإنّ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي يستعدّ لرئاسة بلاده للاتحاد في الأول من تموز المقبل، سار في المنطق نفسه، رابطاً مصير«نا» بقرار الناخبين الإيرلنديين الذين يبلغون 4.2 مليون، مذكّراً إياهم بأنّ النموّ الاقتصادي الذي تعرفه إيرلندا يعود الفضل فيه إلى الاتحاد الأوروبي.
غير أنّ القسم الأكبر من الإيرلنديين الرافضين لـ«المعاهدة» يرى العكس، إذ إنهم يحمّلون «الإصلاحات» الاقتصاديّة التي ستكرّسها «المعاهدة» مسؤوليّة التراجع الاقتصادي.
اللافت في إيرلندا عشيّة الاستفتاء، أنّ الغالبيّة الساحقة من الأحزاب والنقابات حتّى، من أنصار الـ«نعم». والرافضون هم منظّمات يساريّة تجمّعت في تشكيلات يقتصر هدفها على رفض «المعاهدة». أما الحزب الكبير الوحيد الذي يرفضها، فهو الـ«شين فاين»، ومبررات الرفض عديدة: ـــ الحفاظ على أعلى قدر من الديموقراطيّة والشفافيّة في صميم المؤسسات الأوروبيّة ـــ الحفاظ على الحياد العسكري لإيرلندا (لأن المعاهدة تفرض التزام الأعضاء بتضامن عسكري في حال تعرُّض أحد الأعضاء لاعتداء) ـــ والمحافظة على النسبة المنخفضة من الضرائب المفروضة مقارنة بالضرائب الخياليّة التي تفرض «المعاهدة» على الدول الـ27 توحيدها.