strong>لا شك في أن العلاقة الفرنسيّة ـــ السوريّة تشهد مرحلة غير مسبوقة من التقارب، على الأقل خلال السنوات الأربع الماضية، إلا أن نضوجها التام لا يزال ينتظر قمّة «الاتحاد من أجل المتوسّط» الشهر المقبل، وموقف الرئيس السوري بشّار الأسد من المشروع والحضور
باريس ــ بسّام الطيارة
لا تكل مصادر من محيط كل من وزير خارجية إيران منوشهر متكي ووزير الثقافة السوري رياض نعاس آغا، اللذين يزوران فرنسا حالياً، عن التشديد على أن «العلاقة بين سوريا وإيران في أحسن حالاتها»، وأن «كل ما يقال عن تباين في وجهات النظر» هو من نسج الخيال.
زيارة متكي إلى فرنسا طبيعية، تدخل خانة حضور مؤتمر الدول المانحة لأفغانستان اليوم في باريس، والتشديد الإعلامي معه يذهب نحو «الخانة النووية»، وخصوصا أن المنسّق الأعلى للسياسة الخارجيّة والأمنيّة في الاتحاد الأوروبي، خافيير سولانا، يصل السبت إلى طهران لـ«تسليم رزمة الحوافز الجديدة» التي تقدمها دول الـ(٥ + ١) إلى إيران.
زيارة الوزير السوري تحصل «تحت خانة الثقافة»، إلا أنها زيارة سياسية مئة في المئة، رغم تأكيد الوزير لـ«الأخبار» ضرورة فصل السياسة عن الثقافة في العلاقات بين الدول، وأن حضوره هو قبل كل شيء نتيجة لدعوة وجهت قبل شهر ونيف «لم تسمح الظروف بتنفيذها».
وتقول مصادر مقربة من آغا إن وزارة الخارجية الفرنسية اتصلت بعد «مهاتفة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي للرئيس السوري بشار الأسد» لتجديد الدعوة، «مستفيدة من وجود المهرجان الثقافي».
ولا تتردد المصادر السورية في العاصمة الفرنسية من الإشارة إلى هذه الخطوة على أنها «جيدة ومن تداعيات اتفاق الدوحة» اللبناني، وأن «التواصل لم يتوقف، حيث يقام في دمشق مهرجان مواز تقدم فيه مسرحية «أندروماك»، وهي المناسبة التي دفعت الوزير الاشتراكي جاك لانغ لزيارة دمشق». وتشدد هذه المصادر على «أنه ليس الوحيد، فالجميع يعرف أن سوريا دولة مهمة في المنطقة»، وأن العلاقات الثقافية كثيفة في مختلف الاتجاهات مع تثمين لموقف فرنسا في عام ٢٠٠٣ الذي «حرّم الشرعية عن حرب أميركا على العراق»، ما يفتح أبواب «الملامة» على مواقف باريس والاتهامات التي وجهتها إلى سوريا.
أما عن سبب «هذا التسارع في الخطوات»، فإن الأجوبة لا تختلف من مصدر إلى آخر: «إن فرنسا تعيد قراءة مواقفها» التي اتخذت منعطفاً عام ٢٠٠٥ انعكاساً لما حصل في لبنان، وأن «ما يحصل اليوم هو مراجعة لتلك القراءة». وتتابع المصادر أن «كثيرين سوف يكتشفون أن سوريا لم تكن متورطة» في ما حصل في لبنان، «وأنها مؤامرة إسرائيلية على لبنان وسوريا».
ورغم تأكيد المصادر المقربة من آغا أنه «لم يجرِ أي اتصال سياسي»، إلا أن الطابع السياسي لا يمكن أن يغيب عن حضور الوزير السوري، وخصوصاً في خضم الحديث عن «مشاورات بشأن حضور أو عدم حضور سوريا» القمة من أجل المتوسط.
ويقول أكثر من مصدر إن حضور الأسد «ليس مؤكداً»، فهو «مجرد وعد للرئيس ساركوزي بدراسة الظروف». ويقول أحد المصادر «إن سوريا لا تعارض أي نوع من التجمعات بين الدول»، مضيفاً أنه «ليس هناك أي شيء لدى سوريا تجاه مؤتمر برشلونة»، وأنه كل ما يجب فعله هو إعادة قراءة أين كانت الأخطاء. ويتابع المصدر أن الأمر ينطبق أيضاً على «المفاوضات من أجل الجولان». ويؤكد أن «المفاوضات الجديدة هي متابعة لما تم مع إسحق رابين الذي كان جاداً» والذي توصلت سوريا معه إلى حل ٨٠ في المئة من الملفات العالقة. وشدّد على «أن الذي قتل رابين قتل مسيرة التفاوض».
التغيير في المنطقة، الذي يشير إليه التقارب الفرنسي ـــ السوري، ظاهر في طيات الأجواء المحيطة بزيارة آغا، رغم طابعها الثقافي. ومجرد حصولها يشير إلى أن بعض قراءات باريس رأت في المسار السوري «تغييراً في السلوك»، بينما ترى دمشق في خطوات باريس «تغييراً في القراءة». ويتفق المراقبون على ضرورة انتظار ما سيؤول إليه قرار «حضور أو غياب» الرئيس السوري عن قمة المتوسط، التي لا بد أن تأتي إما بعد زيارة مستشاري ساركوزي إلى دمشق المتوقعة خلال يومين، أو لقاء وزيري خارجية البلدين وليد المعلم وبرنارد كوشنير في باريس المفروض أن يحصل قبل إعلان «لائحة الحضور».