مي الصايغوتحتاج هذه الاستراتيجية إلى ما مجموعه 50.1 مليار دولار، تعهدت الحكومة الأفغانية بتوفير 7 مليارات منها من عائداتها الخاصة، فيما وعد المجتمع الدولي بتوفير 24 مليار دولار من أصل 43 ملياراً متبقية.
وتريد الحكومة الأفغانية أن تمرّ الأموال الجديدة عبر أجهزتها، إذ إن 70 في المئة من مساعدات التنمية الحاليّة لا تسيطر الحكومة على كيفية إنفاقها. وليس للأموال أثر يذكر في تعزيز مكانتها لدى الشعب أو تطوير قدرتها على الحكم، ولا سيما أن المنظمات الدوليّة تتكفّل الإشراف على مشاريع التنمية.
وفي آخر تقرير لوزارة المال الأفغانية، اتضح أن الحكومة لم تنفق سوى 55 في المئة من الأموال المتوافرة للتنمية خلال العام الماضي. إخفاق لم يمنع الحكومة الأفغانية من الإقرار «بأنها مع الشركاء الغربيين أساءت تقدير المهمة والوقت المطلوب لتجاوز العقبات للوصول إلى السلام والازدهار». كما أنها هي من طالب باريس باستضافة المؤتمر، الذي من المقرّر أن يركز على نقطتين هما «المساعدات الفنية والمالية المخصصة لأفغانستان، والأوضاع الأمنية».
بدورها، وضعت فرنسا لمؤتمر باريس هدفاً يتضمن تحصيل 12 إلى 15 مليار دولار لإعادة إعمار أفغانستان حتى عام 2013. ورأت أن الأمر لا يتعلق فقط بالأموال، بل إنها تأمل أن يطرأ تغيير على طريقة التعاطي مع أفغانستان في مجال الإعانات، على أن يختتم المؤتمر بإعلان يتضمن استراتيجية لغاية عام 2013 وزيادة التنسيق بين الدول تحت رقابة ممثل الأمم المتحدة إلى أفغانستان، كاي إيدي.
وإلى جانب تمويل التنمية، تظهر استراتيجية قرضاي النجاحات التي تحققت بفضل دعم المجتمع الدولي منذ عام 2001، مثل تنظيم انتخابات ديموقراطية، وتأسيس جيش جديد، والتقدم المحرز في إدخال الأطفال إلى المدارس. غير أن الفساد المستشري في الجهاز الحكومي أدى إلى إحجام المانحين الدوليين عن تقديم المال من خلال الحكومة الأفغانية. وهو ما ذهبت إليه صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية الأحد الماضي، إذ أشارت إلى أن قرضاي، المدعوم من الغرب، سيواجه أسئلة صارمة من الدول المانحة عن انتشار الفساد وإخفاق حكومته في لجم أمراء الحرب المسؤولين عن انتشار مخالفة القانون في مختلف أنحاء أفغانستان.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن وزير المالية الأفغاني السابق، أشرف غاني، اعترافه بأن أموال المانحين هُدرت. وقال «إن النهج الذي اتبعه المانحون في السنوات السبع الماضية أعطى نتائج عكسية، أُنفقت خلالها مئات الملايين من الدولارات على المساعدة التقنية وزيادة الفساد وسوء الإدارة والحكم».
وأعرب البنك الدولي أيضاً عن مخاوفه من قدرة الحكومة على إدارة تدفق هذه المبالغ، مطالباً أفغانستان بتبني هيكلية للدولة أكثر فعالية لتأمين تنميتها الاقتصادية بعد سنوات الحرب، مقترحاً إنشاء مؤسسات عامة «يحرص الموظفون من خلالها على خدمة أكبر عدد من المواطنين»، وذلك تحت طائلة رؤية «الثقة بالحكومة تتلاشى».
وفي السياق، لفتت هيئة رقابية مستقلة إلى أن مليارات الدولارات التي قدمت في معونات إلى أفغانستان لا تُنفق بطريقة فعالة، وأنه يتعين محاسبة الحكومة الأفغانية والوكالات الدولية، وإلا فإن المزيد من الأموال ستهدر.
وأكدت وكالة «إيوا» ومقرها كابول، التي تراقب إنفاق أموال المعونات في أفغانستان، أنه بين كل 100 دولار تُنفق، فإن 20 دولاراً فقط هي التي تصل فعلياً إلى متلقيها الأفغان. وأشارت إلى أن بعض موظفي الوكالة الأميركية للتنمية الدولية يحصلون على راتب يصل إلى 22 ألف دولار شهرياً في أفغانستان، ما يزيد 367 مرة عن متوسط راتب المعلم الأفغاني، ما يعني أن الأموال التي تأتي إلى أفغانستان على شكل إعانات، تخرج على شكل رواتب لموظفي المنظمات الدولية.
على الجبهة السياسية، لم توفر الولايات المتحدة جهداً من أجل ضمان أن يكتب لمؤتمر باريس النجاح. إذ تأتي جولة الرئيس الأميركي جورج بوش حالياً في القارة العجوز لحض حلفائه الأوروبيين على تقديم دعم أكبر لأفغانستان، مدافعاً عن قرضاي في وجه من ينتقده ومن يرى أن حكومته ضعيفة. وتوضع زيارة السيدة الأميركية الأولى، لورا بوش، الخاطفة إلى أفغانستان الأسبوع الماضي في هذا السياق، إذ طالبت المجتمع الدولي بعدم لوم قرضاي، مشيرةً إلى أن ذلك أمر «غير عادل، ومن غير الصائب لومه على أشياء لم تكن غلطته، لقد ورث مع توليه الرئاسة بلداً مقسماً، في ظل توغلات تنظيم القاعدة وحركة طالبان عبر الحدود».
وفيما لم تحدد واشنطن قيمة مساهمتها المرتقبة في المؤتمر، أعرب المسؤول في وزارة الخارجية المكلف شؤون أفغانستان، باتريك مون، عن رغبة بلاده في أن يعلن المشاركون في مؤتمر باريس عن وعود مساعدات بقيمة إجمالية قدرها 15 مليار دولار.
15 ملياراً في غضون 6 سنوات أرسلتها الأسرة الدولية على شكل إعانات إلى أفغانستان، إلا أن الأفغان لا يزالون يعيشون في منازل من طين، و80 في المئة منهم من دون كهرباء، ولا أمن، فهل يكون مؤتمر باريس على غرار المؤتمرات السابقة، أم إنه سيكون الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل نحو تنمية شفافة؟