واشنطن ــ محمد سعيدتظهر تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، خلال زيارتها لفلسطين ولقاءاتها كبار المسؤولين في السلطة والحكومة الإسرائيلية، أن موقفها إزاء الاستيطان الإسرائيلي في الضفّة الغربيّة اتسم بـ«التدرج». ففي مستهل الزيارة، انتقدت رايس بشدة إعلان إسرائيل اعتزامها بناء العديد من المستوطنات، مشيرة إلى أن «هذه الخطوة لا تنصبّ في سياق جهود إحلال السلام في المنطقة، وتؤثر على ثقة المجتمع الدولي في عملية تسوية الصراع العربي ــــ الإسرائيلي». انتقاد وصفه مراقبون بأنه الأكثر حدة لتل أبيب في ما يتعلق بهذه القضية.
في منتصف الزيارة، وصفت رايس الخطوة الإسرائيلية بأنها «مشكلة»، معربة عن اعتقادها أنها لا تساهم في بناء الثقة بين الطرفين، وفي نهايتها خفّت حدة انتقادها بشكل كبير، مشيرة إلى أن «بناء المستوطنات لا يؤثر على مفاوضات الوضع النهائي»، مكتفية بالإشارة إلى أنها تترك أثراً سلبياً على جو المفاوضات.
وفي ما يتعلق بمجمل الزيارة ونتائجها، فقد كانت التوقعات بنجاحها وتحقيق أهدافها «ضئيلة» للغاية، سواء بسبب تعثر المفاوضات بشكل كبير في الوقت الحالي، أو بسبب الأزمة الداخلية التي تعصف بالساحة السياسية الإسرائيلية على خلفية قضية «الفساد» المالي المتورط بها رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت.
وكانت حكومة أولمرت استبقت زيارة رايس بالإعلان عن إطلاق هيئة التخطيط الإسرائيلية مشروع تشييد 1300 وحدة سكنية جديدة للمستوطنين اليهود في محيط مدينة القدس الشرقية المحتلة منذ عام 1967، وهو ما وصفته مصادر إعلامية إسرائيلية بأنه يطلق العنان لواحد من أكثر المشاريع الاستيطانية التوسعية طموحاً في الجزء الشرقي المحتل من المدينة المقدسة.
وأشار مراقبون إلى أن الانتقادات الحادة التي وجهتها رايس للخطة الإسرائيلية لم تحدث أي قدر من الفزع في إسرائيل، ولا رد فعل إسرائيلياً رسمياً. ورأوا أن ذلك إشارة إلى أن تصريحات رايس «لم تعد تهم كثيراً»، إذ لم يبقَ من الوقت سوى أقل من خمسة أشهر على الانتخابات الرئاسية الأميركية.
تقديرات أكدها مصدر حكومي إسرائيلي لصحيفة «جيرزاليم بوست» حين قال إن «التعليقات التي كان يمكن أن تزعج أي شخص في السابق، ليس لها وقع كبير اليوم»، مضيفاً أن «التعليقات الصارمة» لرايس بشأن البناء في المستوطنات والقدس الشرقية تشير إلى شعورها «بالاستياء من أنها ترى مشهد مغادرتها منصبها في كانون الثاني المقبل من دون التوصل لاتفاق بعد 21 زيارة لها للمنطقة كوزيرة خارجية».
وكان مسؤولون أميركيون فد اعترفوا قبيل بدء زيارة رايس بأن هدفها سيكون متواضعاً، ولن تحدث أي تطورات دراماتيكية على الساحة السياسية في المنطقة، وأنها ستكون مثل زياراتها الخمس السابقة التي فشلت خلالها في إحداث أي اختراق للمواقف الإسرائيلية من قضايا المفاوضات العالقة.
لذلك، يمكن القول إن زيارة رايس أشبه باللعب في الوقت الضائع، فواشنطن لم يعد لديها سوى أسابيع وتدخل في معمعة الانتخابات الرئاسية، كما أنها منشغلة خلال الأشهر القليلة المقبلة بالتعامل مع الملف النووي الإيراني، وبالتالي فكل ما تحاول فعله هو إعطاء انطباع عام عن مدى حرصها على تحقيق تقدم ولو بسيطاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين. أما في ما يتعلق بمشكلة المستوطنات التي تركزت عليها زيارة رايس، فمن الواضح للغاية أنها قد فشلت في حلها، أو حتى في الضغط على الحكومة الإسرائيلية من أجل تجميدها.