strong>هل مصر دولة طاردة لأبنائها الذين باتوا يخاطرون بركوب أمواج الموت وقواربه بحثاً عن النجاة من وضع سياسي واقتصادى مهترئ بعد 27 عاماً أمضاها الرئيس حسني مبارك في السلطة؟ أم أن مصر تمثل عامل جذب للهجرة غير الشرعية؟ أسئلة لا رابط بينها سوى حوادث متفرقة تحمل دلالات خطيرة، كما يقول المراقبون، على حقيقة ما يجري تحت السطح في هذا الملف
القاهرة ــ وائل عبد الفتاح
القصة بدأت هذه المرة من اليونان، حيث عُثر على مركب مطاطي يحمل على متنه 80 مهاجراً مصرياً غير شرعي على سواحل جزيرة كريت. قال مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون القنصلية، السفير أحمد القويسني، إن السلطات اليونانية ألقت القبض على المهاجرين أثناء تسللهم إلى الحقول والجبال والقرى المحيطة بالمنطقة التي وصلوا إليها بحراً.
وأفاد المهاجرون، أثناء التحقيقات معهم، بأنهم أبحروا من ميناء أبو قير في الإسكندرية بعد قيام كل منهم بدفع 3 آلاف دولار لمهرب غير معروف الهوية، ثم أنزلتهم إحدى سفن الشحن السورية فجر الثلاثاء عند إحدى الصخور البحرية بالقرب من السواحل اليونانية وأبحرت إلى اتجاه غير معلوم.
واستغل القيسوني الحادث ليطلق تحذيرات مجددة لمواطنيه، وخصوصاً الشباب، من اللجوء إلى السفر بالطرق غير المشروعة حرصاً على أرواحهم وأموالهم.
في المقابل، أحبطت أجهزة الأمن المصرية محاولة تسلل 10 أفارقة وآسيويين إلى إسرائيل، حيث أُلقي القبض عليهم وجارٍ التحقيق معهم من طريق الجهات المختصة. وكانت أجهزة الأمن تقوم بمراقبة الحدود الدولية بين مصر وإسرائيل حين ضُبط المتسللون العشرة، وهم 5 أفارقة (3 من نيجيريا، 2 من غانا) و5 آسيويين (4 من تركيا وصيني).
واعترف الموقوفون في التحقيقات الأولية بأنهم جاؤوا إلى المنطقة بهدف التسلل إلى إسرائيل للبحث عن فرص عمل هناك، وأن بعض الأشخاص قد التقوا بهم واتفقوا معهم على تهريبهم إلى الدولة العبرية ومساعدتهم على التسلل من إحدى النقاط الحدودية لقاء مبلغ من المال.
وترصد المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، في تقرير أصدرته أخيراً عن الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا بعنوان «هجرة شباب مصر... فرار إلى المجهول»، أن إحصائيات الأمن الإيطالية وحدها قد سجلت في الربع الأول من العام الجاري استقبال سواحل كالابريا 14 زورقاً محملة بأكثر من 1500 مهاجر غير شرعي معظمهم من المصريين. وبلغ إجمالي عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين دخلوا إيطاليا عام 2007 عن طريق البحر نحو 1419 مهاجراً، لقي 500 منهم مصرعهم في البحر المتوسط حتى الآن في مقابل 302 مهاجر فقط خلال عام 2006 بأكمله. وتشير الإحصائيات إلى أن عدد الشباب المصريين الذين رُحِّلوا من دول جنوب أفريقيا خلال عام 2006 بلغ 6748 شاباً.
ومحافظة الفيوم أكثر المحافظات المصرية ارتفاعاً في نسبة هجرة الشباب لأوروبا؛ فمن أكثر القرى الفيومية، التي اشتهرت بسفر شبابها إلى أوروبا، قرية تطون، حيث تعد الأشهر على مستوى الجمهورية في هجرة الشباب خصوصاًَ إلى إيطاليا، إذ يقدر عدد أبنائها في إيطاليا بنحو 6 آلاف شاب، من 40 ألف نسمة هم إجمالي سكان القرية. ويقال إن اسم تطون مأخوذ عن اسم أحد شوارع إيطاليا، كما تطلق أسماء إيطالية على المحال التجارية في القرية.
عوامل عديدة تجعل الهجرة غير الشرعية للشباب المصري بمثابة ظاهرة، ولعل أهمها ارتفاع مستويات الفقر وتدهور الأوضاع الاقتصادية وتفشي البطالة وعدم توافر فرص عمل؛ فقد زادت نسبة البطالة خلال الأعوام الماضية لتصل إلى 10 في المئة عام 2002، وفي عام 2003 زادت النسبة إلى 10.7 في المئة، وزادت هذا العام إلى أكثر من 11 في المئة، ما يدفع الشباب إلى الهجرة غير الشرعية، بعدما فقدوا الأمل في إيجاد فرص العمل سواء في تخصصاتهم أو حتى في غيرها التي أصبح البحث عنها كالحلم الذي يلوح من بعيد ولا يستطيع أحد تداركه.
وفي ضوء تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، يشير الخبير الاقتصادي، محمد شكري، إلى «وقوع الشباب في دائرة المحظور من خلال اللجوء إلى سماسرة السوق ومكاتب السفريات غير القانونية ووسطاء الهجرة الذين يتقاضون من كل شاب ما يقرب من 30 ألف جنيه للسفر، وتنتشر على الحدود مع ليبيا أو في بعض محافظات الصعيد عصابات للنصب على الشباب، وتتقاضى منهم مبالغ طائلة بدعوى توفير فرص عمل لهم في إيطاليا أو أوروبا ثم يهربون بهذه الأموال من دون أن يحاسبهم أحد».
وتنتهي رحلة الشباب إما بالموت أو السجن والترحيل. ونتيجة لعدم توافر الوعي لدى هؤلاء الشباب بمخاطر الهجرة غير الشرعية، يلقون حتفهم وهم في طريقهم إلى أحد الموانئ الإيطالية، حيث يُرَحَّلون على متن مراكب قديمة ومتهالكة، والنتيجة غرقهم وسط البحر المتوسط، وحتى من ينجو منهم ويصل إلى إيطاليا يكون مخالفاً للقوانين الإيطالية، ويُعاد مرة أخرى إلى أرض الوطن مرحلاً مهاناً إلى بلده مرة أخرى. فالهجرة غير الشرعية «أصبحت السوق السوداء للاتجار بالشباب».
وهناك، كما يقول أحد العالمين بخبايا ما يحدث، طرق عديدة لتهريب المهاجرين غير الشرعيين، منها البرية عن طريق التسلل إلى ليبيا، حيث يُهَرَّب المهاجرون إلى إيطاليا ومالطا وعن طريق الأردن يُهرَّب المهاجرون إلى قبرص واليونان أو تركيا.