أرنست خوريتشير بداية التقرير إلى أنّ حزب «العدالة والتنمية» سيتّخذ منحىً أكثر «اعتدالاً» إذا لم يصدر حكم الحظر بحقّه، وذلك ليتفادى خطر انقلاب عسكري ضدّه. بداية مطمئنة للتقرير، ما تلبث أن تنحو أكثر نحو التشاؤم. فإذا حُظر الحزب، يجدر توقُّع سلسلة من التطوّرات أبرزها:
ــ ازدياد حدّة الانقسام بين الأتراك العلمانيين المدعومين من العسكر، وهؤلاء المسلمين الملتزمين دينيّاً. خطر ينبع من أنّ عدداً من المسلمين الأتراك، سيفقدون أملهم من العمليّة السياسيّة السلميّة. غير أنّ الأثر الفعلي لقرار كهذا، سيبقى ضئيلاً على النواة الصلبة لشعبية حزب رجب طيب أردوغان، نظراً إلى أنّ حزباً جديداً سيتأسس فوراً على أنقاض «العدالة والتنمية» يحتوي ويؤطّر كوادره.
ــ تراجع كبير في حظوظ انتساب تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وهو موضوع يجب أن يكون، بحسب التقرير، مادّة يجمع مسؤولو واشنطن على دعمه جدّياً لدحض الفكرة القائلة إنّ أوروبا «تعادي المسلمين».
وعن تقويم التقرير لنفوذ وقوة المؤسسة «الأتاتوركيّة» التي يجسّدها الجيش وحزب المعارضة الرئيسي «الشعب الجمهوري»، فهي لم تُمَسّ بفعل الإصلاحات التي أقدمت عليها الحكومة في الفترة الماضية. ولحظة يشعر الجيش بأنّ هذا النفوذ الممثّل بما يسمّيه التقرير «خطوطاً حمراء» (القيم العلمانيّة ــ الجمهوريّة المتشدّدة)، فهو «لن يتردّد بالقيام بانقلاب عسكري» بعد استنفاد جميع الآفاق السلميّة. وتبدو حظوظ خيار الانقلاب العسكري ضعيفة حالياً «لكنها واردة دائماً».
ويشعر القارئ بأنّ التقرير الأميركي موجَّه أساساً إلى عسكر تركيا بهدف طمأنتهم، بحيث يقيم مقارنة بين نهجي أردوغان و«معلّمه» نجم الدين أربكان. ويخلص إلى القول إنّ الأوّل لن يفكّر في اعتماد جدول أعمال إسلامي متشدّد، لمعرفته بأنّ شعبيّته لا تقبل حكم الشريعة، ولإدراكه بأنّ مناصريه لا يقدّمون على الحلم الأوروبي أي شعار ديني.
وهنا يقدّم الباحثان نصيحة إلى الساسة الأميركيّين: عليكم تفادي الحديث عن تركيا كورقة تودّون استعمالها لتقديمها إلى العالم على أنها رمز للإسلام المعتدل القادر على التعايش مع الديموقراطيّة. ولتلك النصيحة موجبات تفرضها أنّ مثل هذه المصطلحات، تنفّر العلمانيين والعسكر لأنها توحي لهم أنّ المطلوب إبقاء التعاطي مع تركيا في حيّز شرق أوسطي لتكون قدوة للعالم العربي والإسلامي، بينما هؤلاء يسعون إلى التخلّص من هذا الانتماء الجغرافي والثقافي. في الوقت نفسه، لا يخفي التقرير الهمّ الأميركي المتمحور حول أن يؤدّي التعصّب الإسلامي (إذا حُظر الحزب الحاكم)، إلى خسارة الرهان الموضوع على تركيا بأن يكون لها مفعول العدوى في دمقرطة وتحديث الإسلام.
البارز أنّ التقرير يغوص إلى عمق الكباش بين طرفي النزاع التركي: فهو ليس بين إسلاميين وعلمانيين كما قد توحي الصورة، بل بين فئات اجتماعيّة ريفيّة وطرفيّة كسرت المركزيّة المدينية الاجتماعيّة التي أنتجت النخبة العلمانيّة الحاكمة منذ عقود.
وتحت عنوان «دروس للولايات المتحدة»، يرى معدّا التقرير أنّ أنقرة «لن تقدّم أي شيكاً على بياض لأي عمل عسكري أميركي» في الشرق الأوسط. ويرى التقرير أنّ السياسة التركيّة تجاه جيرانها ستكون مادّة خلافيّة بين أنقرة وواشنطن، وذلك يعود إلى «توسّع المصالح التركيّة في الشرق الأوسط وهو ما يجعلها قلقة من السماح للولايات المتحدة بشنّ أي عملية عسكرية في المنطقة إلا إذا كان ذلك يناسب تماماً مصالحها».
نقطة يتوقّف عندها التقرير ليعرض على القيادة الأميركية ضرورة البحث عن بديل لقاعدة أنجرليك تفادياً لتكرار تجربة احتلال العراق عام 2003. وفي السياق، يؤكّد الباحثان الأميركيان أنّ عنوان الخلاف الأميركي ــ التركي المقبل في المنطقة سيكون حول إيران إذا ترجمت واشنطن تهديداتها ضدّ الجمهورية الإسلامية على خلفيّة برنامجها النووي.
وينهي التقرير توصياته بمخاطبة زعماء الكونغرس الحاليين والمقبلين، حين يطلب منهم ضرورة أن ينسوا موضوع «الإبادة الأرمنيّة» التي تهدّد بأزمة دبلوماسيّة بين واشنطن وأنقرة. كما يدعو بإلحاح إلى مواصلة المساعدة الأميركية العسكرية ضدّ مسلّحي حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.