يديعوت ــ شلومو بن عاميإن استئناف المحادثات السلمية بين إسرائيل وسوريا، بعد ثماني سنوات من شحذ السيوف الذي أتى بعد انهيار آخر محاولة لإحراز تسوية، ليس مجرد تمثيلية ترمي إلى صرف الانتباه عن مشكلات رئيس حكومة إسرائيل المتعثر. كما إنه ليس مبادرة سورية فقط لمنع انعقاد المحكمة الدولية للبحث في مقتل (الرئيس رفيق) الحريري. فالسلام الإسرائيلي ـــــ السوري استراتيجية حيوية للطرفين. شهد نظام حكم البعث في سوريا تجربتين تأسيسيّتين، هما: فقدان السيطرة على هضبة الجولان في الهزيمة القاسية أمام إسرائيل عام 1967، وفقدان لبنان نتيجة ضغط دولي تقوده أميركا عام 2005. لأجل ذلك، لا تعتبر استعادة هضبة الجولان، كما الدفاع عن مصالح سوريا الحيوية في لبنان، مجرد ذخر استراتيجي رئيسي للرئيس (بشار) الأسد، بل إنه ذخر حيوية لتثبيت شرعية نظامه وتعزيز زعامته.
في ما يتعلق بسوريا، كما في حالة رئيس مصر (أنور) السادات قبل ثلاثين سنة، تعتبر مصالحة إسرائيل أداة حيوية لتحسين العلاقات بالولايات المتحدة ومنح الشرعية لمكانة سوريا الخاصة في لبنان. في هذا الإطار، ليس من الغرابة أن يطلب السوريون مشاركة الأميركيين كشهود، إن لم يكونوا شركاء تأمين، في المحادثات مع إسرائيل.
ترى إسرائيل أيضاً أن السلام مع سوريا ضرورة استراتيجية. إن مواجهة ممكنة مع «حماس» في غزة قد تفضي إلى اشتعال الوضع مع حزب الله وتؤدي إلى حرب يمكن الانتصار فيها فقط بتدمير سلاح الجو الإسرائيلي لبنان كلياً. كما قد تفضي مواجهة كهذه إلى قرار سوريا ـــــ وهو ليس مستبعداً تماماً ـــــ باستغلال الفرصة للقيام بعملية عسكرية في هضبة الجولان، قد تتطور لتصبح حرب صواريخ موجهة ضد الجبهة الإسرائيلية الداخلية، ناهيك عن إمكان أن تحاول إيران الدفاع عن برنامجها النووي في مواجهة هجمة إسرائيلية ـــــ أميركية من خلال المشاركة الفاعلة في سيناريو الرعب هذا.
ينبغي أن نعترف بأن الظروف الاستراتيجية اليوم أشدّ تعقيداً مما كانت قبل ثماني سنوات. كان واضحاً في جولة المحادثات السابقة أن اتفاق سلام مع سوريا من شأنه أن يمهّد الطريق تلقائياً لتسوية مع لبنان ولإنهاء تهديد حزب الله لحدود إسرائيل الشمالية. لم يعد هذا هو الوضع اليوم بسبب ضعف سيطرة سوريا في لبنان.
في الحقيقة، إن حزب الله نما وأزهر تحت الاحتلال السوري. لكنه لم يبلغ القوة السياسية المدهشة التي يتمتع بها اليوم. لكن السلام مع سوريا يملك القدرة على أن يكون عنصراً رئيساً في تسوية إسرائيلية ـــــ عربية أوسع وعلى إنشاء شرق أوسط أشدّ استقراراً في نهاية المطاف. ليس من الواقعي مع ذلك أن نتوقع من سوريا إفساد علاقاتها الخاصة بإيران. الأمر يتعلق بمحادثات سلام لا صيغة تسوية دفاعية، فلماذا تقطع سوريا دفعة واحدة علاقاتها بأصدقائها الإيرانيين؟
من جهة أخرى، قد لا تكون العلاقات الجيدة بين دولة تعيش بسلام مع إسرائيل وبين إيران شيئاً سيئاً بالضرورة. فهي تستطيع أن تقيّد، أكثر من أن توسع، استراتيجيات إيران لتقويض الاستقرار في المنطقة.
وكما كانت الأمور دائماً، المسألة ترتبط إلى حد بعيد باستعداد أميركا لإبعاد نفسها عن الحلول العسكرية والعقيدة الصارمة لمصلحة توجّه عملي لإيجاد حل للنزاع. إن اتفاق سلام بين إسرائيل وسوريا بدعم الولايات المتحدة يستطيع أن يحوّل المحيط الاستراتيجي إلى محيط يكون مركز جذب لجهات أخرى في الشرق الأوسط.