اجتذاب اليساريّين والقوميّين يبدأ بتغيير أسماء التنظيمات الإسلاميّة زيد الزبيديتخوض قيادات المقاومة العراقيّة هذه الأيام، جدلاً جدّياً حول توجهاتها الجديدة، في ضوء مراجعة ما أفرزته تجارب السنوات الخمس الماضية، بعد أخطاء كبيرة ألصقت فيها تهمة «الطائفية»، ما أفقدها تعاطف العديد من المواطنين وخسارة الكثير من مواقعها في المجتمع العراقي.
وكشف مسؤول إعلامي في «جبهة الجهاد والتغيير»، لـ«الأخبار»، عن أن الجبهة أعلنت برنامجاً وطنياً ضدّ الاحتلال، لا علاقة له بـ«الصبغة الإسلامية المنفردة، أو الطائفية»، وبيّنت استعدادها للتعاون والتحالف مع القوى اليسارية والعلمانية والقومية المعادية للاحتلال، سواء كانت تعتمد نهج المقاومة السلمية أو المسلّحة.
وأوضح المسؤول أن هذا الطرح ليس سوى بداية لتغييرات أخرى في عمل المقاومة، ليزيل عنها الصبغة «الطائفية».
وتُعدّ الجبهة أحد أكبر فصائل المقاومة في العراق، وهي مكوّنة من تنظيمات «كتائب ثورة العشرين» و«جيش الراشدين» و«جند الإسلام» و«جيش المسلمين» و«كتائب التمكين» و«سرايا الدعوة والرباط» و«جند الرحمن» و«الحركة الإسلامية لمجاهدي العراق» و«كتائب محمد الفاتح».
واعترف المسؤول الإعلامي بأن حركات المقاومة بشكل عام «انجرّت، سواء عن دراية أو عدم دراية، وراء مخطط الاحتلال»، الذي غالباً ما يشير إليها على أنّها «مقاومة سنّية»، و«مقاومة شيعية»، ويبرز حالة من الصراع الدموي بينهما. ويصرّ المصدر على أنّ «الجهاد والتغيير» طرحت عكس ذلك، عبر نزع «بعض أرديتها الإسلامية» وهي تحاول الآن التوجه بشكل أكبر نحو أطروحات جديدة.
وعن طبيعة هذه «الطروحات الجديدة»، أشار على سبيل المثال إلى اقتراح قيادات عسكرية في المقاومة فكرة حلّ التنظيمات المسلحة نفسها، عند تحقيق انسحاب قوات الاحتلال، والتعهّد بعدم السعي إلى أية مناصب سياسية، وترك إدارة شؤون البلاد للعناصر الكفوءة من التكنوقراط مهما كانت توجهاتهم السياسية.
وقال إنّ النقاش حول هذه الفكرة لا يزال مستمرّاً، مؤكّداً أنّ الفكرة تحظى بقبول من معظم كوادر الجبهة. إلا أن البعض يفسّرها على أنّها «محاولة التفاف»، الهدف منها تهميش المقاتلين لمصلحة سيطرة العلمانيّين والبعثيين واليساريين الذين يمتلكون الرصيد الأكبر من التكنوقراط.
وكشف مصدر آخر في «جيش الراشدين»، لـ«الأخبار»، عن مشكلة اعتبرها «من الأساسيات»، حيث تساءل: «كيف يمكن أن نتصور وجود يساريين أو قوميين يقاتلون تحت مسميات إسلامية، أو حتى طائفية، وإن كانت الجبهة لا تخلو من هؤلاء الذين التحقوا بالقتال لعدم وجود البديل». ولحلّ هذه المعضلة، دعا إلى «إعادة النظر في تسميات التنظيمات المقاومة، إذا ما أردنا تحويل الإرادة الشخصية (عند المواطن العراقي) إلى اتجاه عام يستقطب القوى التي أشار إليها برنامج الجهاد والتغيير» في الانفتاح على الهويّات القومية واليساريّة المعادية للاحتلال. ورأى المصدر أنّ ذلك سيؤدي إلى انضمام هذه القوى إلى الجبهة، أو التحالف معها آجلاً أو عاجلاً.
وشدّد على أهمية نتائج انضمام هذه القوى إلى صفوف المقاومة، حيث «سيلغي ذلك الشعور بأن المقاتلين يسلّمون ثمار تضحياتهم إلى من ينتظرون على التلّ» لحصد المنافع السياسية بعد إنهاء الاحتلال. وأوضح أن مسألة استبدال أسماء فصائل المقاومة بأسماء وطنية، «سيعدّ من الإنجازات الكبرى التي تصحّح مسارات المقاومة وتعطيها زخماً أكبر وتغذّيها بالأفكار التي تلائم المرحلة»، مشدّداً على أنه «لا أحد ينكر ما تتمتع به الجهات المقصودة من إمكانات وطاقات فكرية وثقافية، إنها الرديف القوي للقوى القتالية».
وبحسب متابعين لشؤون المقاومة، فإن فصائلها تواجه معضلة كبيرة بعدما أدرك خصومها من المشاركين في العملية السياسية خطورة التوجهات الطائفية أو الدينية، وأعلن بعضهم تخلّيهم عن كتلهم الطائفية والابتعاد عن التوجهات الدينية السياسية، فيما تخلّفت المقاومة عن هذا الطرح الذي يفترض أن تكون السبّاقة إليه.
ويلفت المراقبون أنفسهم إلى أن طبيعة المجتمع العراقي تاريخياً لا تميل إلى النهج الديني المتشدّد أو الطائفي، وأنّ مرحلة التحرر الوطني تملي ضرورة استقطاب كل فئات الشعب ووحدته في مواجهة الاحتلال، لا في مواجهة بعضهم البعض الآخر.
ولا ينكر مسؤولون في المقاومة صعوبة هذا التغيير، إلا أنهم يرون أن الخطوات الأولى بدأت بالفعل، وأن التوجه نحو تغيير مسار فصائل المقاومة وتركيبتها أصبح من الضرورات التي ستشهدها الساحة العراقية.